يحلف بالله كاذباً فبادرت حواء إلى أكل الشجرة ثم ناولت حواء آدم حتى أكلها وكان سعيد بن المسيب يحلف بالله ما أكل آدم من الشجرة وهو يعقل ولكن حواء سقته الخمر حتى سكر فأدّته إليه فأكل وقيل : قام عند الباب فناداهما وقيل : تمثل بصورة دابة فدخل ولم تعرفه الخزنة وقيل : دخل في فم الحية حتى دخلت به وكانت صديقاً لإبليس وكانت من أحسن الدواب، لها أربع قوائم كقوائم البعير وكانت من خزان الجنة فسألها إبليس أن تدخله الجنة في فمها فأدخلته ومرّت به على الخزنة وهم لا يعلمون فأدخلته الجنة وقيل : أرسل بعض أتباعه فأزلهما والعلم في ذلك كما قال البيضاوي عند الله ﴿فأخرجهما مما كانا فيه﴾ من الكراخة والنعيم. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : قال الله تعالى لآدم : أليس فيما أبحتك من الجنة مندوحة عن الشجرة ؟
قال : بلى يا رب وعزتك ولكن ما ظننت أن أحداً يحلف بك كاذباً قال : فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض ثم لا تنال العيش إلا كداً، فأهبطا من الجنة وكانا يأكلان فيها رغداً فعلم من صنعة الحديد وأمر بالحرث فحرث وزرع ثم سقى حتى إذا بلغ حصد ثم درسه ثم ذرّاه ثم طحنه ثم عجنه ثم خبزه ثم أكله فلم يبلغه حتى بلغ منه، ما شاء الله. قال إبراهيم بن أدهم أورثتنا تلك الأكلة حزناً طويلاً، وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنّ آدم لما أكل من الشجرة التي نهي عنها قال الله عز وجل : يا آدم ما حملك على ما صنعت ؟
قال : يا رب زينته لي حوّاء، قال : فإني أعقبتها أن لا تحمل إلا كرهاً ولا تضع إلا كرهاً ودميتها في الشهر مرتين، فرنت حوّاء عند ذلك، فقيل : عليك الرنة وعلى بناتك فلما أكلا منها سقطت عنهما ثيابهما وبدت سوآتهما وأُخرجا من الجنة فذلك قوله تعالى :﴿وقلنا اهبطوا﴾ خطاب لآدم وحوّاء لقوله تعالى :﴿قال اهبطا منها جميعاً﴾ (طه، ١٢٣) وجمع الضمير لأنهما أصل الإنس فكأنهما الإنس كلهم أو هما وإبليس أخرج منها ثانياً بعدما كان يدخلها للوسوسة أو دخلها مسارقة أو من السماء لا من الباب على الخلاف المتقدّم، وقيل : هما وإبليس والحية فهبط آدم بسرنديب بأرض الهند على جبل يقال له : نود وحوّاء بجدّة وإبليس بالإبلة وقيل : ببيسان بالبصرة على أميال والحية بأصبهان، وقوله تعالى :﴿بعضكم لبعض عدوّ﴾ حال استغنى فيها عن الواو بالضمير والمعنى متعادين، فإن كان الخطاب لآدم وحوّاء فقط فالمراد ببعضكم : بعض الذرّية أي : بعض ذرّيتكم لبعض عدوّ من ظلم بعضهم بعضاً، وإن كان الخطاب لهما ولإبليس والحية فالمراد العداوة بين المؤمنين من ذرّية آدم والحية وبين إبليس، قال الله عز وجل :﴿إنّ الشيطان لكما عدوّ مبين﴾ (الأعراف، ٢٢)، وروى عكرمة عن ابن عباس أنه كان يأمر بقتل الحيات وقال : من تركهنّ خشية أو مخافة تأثر فليس منا، وزاد موسى بن مسلم عن عكرمة في الحديث ما سالمناهنّ منذ حاربناهنّ، وروي أنه نهى عن ذوات البيوت.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٦
وروي عن أبي سعيد الخدريّ عن النبيّ ﷺ "أنّ بالمدينة جناً قد أسلموا فإن رأيتم منهم شيئاً فآذنوه ثلاثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان" ﴿ولكم في الأرض مستقرّ﴾ أي : موضع قرار ﴿ومتاع﴾ ما تتمتعون به من نباتها ﴿إلى حين﴾ أي : وقت إنقضاء آجالكم ﴿فتلقى آدم من ربه كلمات﴾ أي : استقبلها بالأخذ والقبول والعمل بها حين علمها وهي ﴿ربنا ظلمنا أنفسنا﴾ (الأعراف، ٢٣) الآية، وقيل : سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدّك لا إله إلا أنت
٦٠
ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما :"قال آدم : يا رب ألم تخلقني بيدك ؟
قال : بلى، قال : يا رب ألم تنفخ فيّ الروح من روحك ؟
قال : بلى، قال : ألم تسكني جنتك ؟
قال : بلى، قال : يا رب إن تبت وأصلحت أراجعي أنت إلى الجنة ؟
قال : نعم"، رواه الحاكم وصححه. وقول آدم أراجعي بتخفيف الياء اسم فاعل أضيف إلى المفعول وأنت فاعل لاعتماده على الاستفهام، أو مبتدأ خبره ما قبله، وقرأ ابن كثير بنصب الميم من آدم ورفع التاء من كلمات على أنها تلقته، والباقون برفع الميم وكسر التاء والكسر هذا علامة النصب لأنه جمع مؤنث سالم فينصب بالكسرة ﴿فتاب عليه﴾ أي : قبل توبته وإنما رتب تاب عليه بالفاء على تلقي الكلمات لتضمن تلقي الكلمات معنى التوبة وهو الاعتراف بالذنب والندم عليه والعزم على أن لا يعود إليه وردّ المظالم إن كانت واكتفى بذكر آدم لأنّ حوّاء كانت تبعاً له في الحكم، ولذلك طوي ذكر النساء في أكثر القرآن والسنن ﴿إنه هو التوّاب﴾ الرجاع على عباده بالمغفرة، أو الذي يكثر إعانتهم على التوبة، وإذا وصف بها البارىء أريد بها الرجوع من العقوبة إلى المغفرة ﴿الرحيم﴾ البالغ في الرحمة، وفي الجمع بين التوبة والرحمة وعد للتائب بالإحسان مع العفو.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٦


الصفحة التالية
Icon