وقيل : أرادوا أن يتوجوا عبد الله بن أبي وإن لم يرض رسول الله ﷺ ﴿وما نقموا﴾ أي : وما أنكروا على رسول الله ﷺ شيئاً ﴿إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله﴾ فإنّ أكثر أهل المدينة كانوا قبل قدوم النبيّ ﷺ المدينة في ضنك من العيش لا يركبون الخيل ولا يحرزون الغنيمة وبعد قدومه أخذوا الغنائم وفازوا بالأموال ووجدوا الدولة وذلك يوجب أن يكونوا محبين له مجتهدين في بذل النفس والمال لأجله وقتل للجلاس مولى فأمر له رسول الله ﷺ بديته اثني عشر ألفاً فاستغنى فالمنافقون عملوا بضدّ الواجب فوضعوا موضع شكره ﷺ أن نقموا منه.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٧٢١
وقال ابن قتيبة معناه ليس هناك شيء ينقمون منه ولا يعيبون من الله إلا الصنيع وهذا كقول الشاعر :
*ما نقموا من بني أمية إلا ** أنهم يحلمون إن غضبوا*
وكقول النابغة :
*ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ** بهنّ فلول من قراع الكتائب*
٧٢٢
أي : ليس فيها عيب ﴿فإن يتوبوا﴾ أي : من كفرهم ونفاقهم ﴿يك خيراً لهم﴾ في العاجل والآجل من إصرارهم على ذلك وهذا الذي حمل الجلاس على التوبة والضمير في يك للتوبة ﴿وإن يتولوا﴾ أي : يعرضوا عن الإيمان والتوبة ويصروا على النفاق والكفر ﴿يعذبهم الله عذاباً أليماً في الدنيا﴾ بالقتل والأسر والإذلال ﴿والآخرة﴾ بالعذاب الأكبر الذي لا خلاص لهم منه وهو خلودهم في النار ﴿وما لهم في الأرض﴾ أي : التي لا يعرفون غيرها لسفول همتهم ﴿من ولي﴾ يحفظهم منه ﴿ولا نصير﴾ يمنعهم وأمّا السماء فهم أقل من أن يطمعوا منها في شيء ناصر أو غيره وأغلظ أكباداً من أن يرتقي فكرهم إلى ما بها من العجائب وما بها من الجنود واعلم أنّ هذه السورة أكثرها في شرح أحوال المنافقين ولا شك أنهم أقسام وأصناف فلهذا السبب يذكرهم الله تعالى على التفصيل فيقول تعالى :﴿ومنهم الذين يؤذون النبيّ﴾ (التوبة، ٦١)
﴿ومنهم من يلمزك في الصدقات﴾ (التوبة، ٥٨)
﴿ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني﴾ (التوبة/ ٤٩)
جزء : ١ رقم الصفحة : ٧٢١


الصفحة التالية
Icon