روي أنّ رسول الله ﷺ خطب ذات يوم وحث على الصدقة فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم وقال لرسول الله ﷺ يا رسول الله مالي ثمانية آلاف درهم جئتك بأربعة آلاف درهم فاجعلها في سبيل الله وأمسكت أربعة آلاف لعيالي فقال رسول الله ﷺ "بارك الله لك فيما أعطيت وفيما أمسكت" فبارك الله تعالى في مال عبد الرحمن حتى أنه خلف امرأتين يوم مات بلغ ثمن ماله لهما مائة وتسعين ألف درهم، وجاء عاصم بن عدي الأنصاريّ بسبعين وسقاً من تمر وجاء عثمان بن عفان بصدقة عظيمة وجاء أبو عقيل الأنصاريّ بصاع من تمر وقال : أجرت الليلة الماضية نفسي من رجل لإرسال الماء إلى نخله فأخذت صاعين من تمر فأمسكت أحدهما لعيالي وأتيتك بالآخر فأمر رسول الله ﷺ بوضعه في الصدقات فلمزهم المنافقون وقالوا عبد الرحمن وعثمان ما يعطيان إلا رياء والله ورسوله لغنيان عن صاع أبي عقيل ولكن أحب أن يذكر نفسه ليعطى من مال الصدقات فنزلت، وقوله تعالى :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٧٢١
﴿أو لا تستغفر لهم﴾ تخيير للنبيّ ﷺ في الاستغفار لهم وتركه قال
٧٢٤
صلى الله عليه وسلم "إني خيرت فاخترته" يعني : الاستغفار رواه البخاريّ ﴿إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم﴾.
روي أن عبد الله بن عبد الله بن أبي وكان من المخلصين سأل رسول الله ﷺ في مرض أبيه أن يستغفر له ففعل فنزلت فقال عليه الصلاة والسلام :"سأزيد على السبعين" وذلك لأنه ﷺ فهم من السبعين العدد المخصوص لأنه الأصل لجواز أن يكون ذلك حداً يخالفه حكم ما وراءه فبين تعالى أن المراد التكثير دون التحديد وإنما خص السبعين من العدد بالذكر لأنّ العرب كانت تستكثر السبعين ولهذا كبر رسول الله ﷺ على عمه حمزة رضي الله عنه سبعين تكبيرة ولأن آحاد السبعين سبع وهو عدد شريف فإن السموات سبع والأرضين سبع والأيام سبع والأقاليم سبع والبحار سبع والنجوم سبع وقد شاع استعمال السبعة والسبعين والسبعمائة ونحوها في التكثير لاشتمال السبعة على جملة أقسام العدد أي عدّة مراتبه الأصلية والفرعية مع ذكر أول فروع فروعه وهي سبعة آحاد عشرات مئين آحاد ألوف عشرات ألوف مئين ألوف آحاد ألوف الألوف وقوله تعالى :﴿ذلك بأنهم كفروا با ورسوله﴾ إشارة إلى أن اليأس من المغفرة وعدم قبول استغفارك ليس لبخل منا ولا قصور فيك بل لعدم قابليتهم بسبب الكفر الصارف عنها ﴿وا لا يهدي القوم الفاسقين﴾ أي : المتمردين في كفرهم وهو كالتنبيه على عذر النبيّ ﷺ في استغفاره وهو عدم يأسهم عن إيمانهم ما لم يعلم أنهم مطبوعون على الضلالة والممنوع هو الاستغفار بعد العلم لقوله تعالى :﴿ما كان للنبيّ والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم﴾ (التوبة، ١١٣)
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٧٢٤
فرح المخلفون﴾
عن غزوة تبوك ﴿بمقعدهم﴾ أي : بقعودهم فهو اسم للمصدر ﴿خلاف رسول الله﴾ هذا نوع آخر من قبائح أعمال المنافقين وهو فرحهم بالقعود وكراهتهم الجهاد والمخلف المتروك ممن مضى.
فإن قيل : إنهم احتالوا حتى تخلفوا فكانوا متخلفين. لا مخلفين أجيب : بأنّ من تخلف عن رسول الله ﷺ بعد خروجه إلى الجهاد مع المؤمنين يوصف بأنه مخلف حيث لم ينهض وأقام.
تنبيه : قوله تعالى :﴿خلاف﴾ فيه قولان :
الأوّل : وهو قول الزجاج بمعنى مخالفة رسول الله ﷺ حين سار وأقاموا قال وهو منصوب لأنه مفعول له والمعنى بأن قعدوا لمخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم
والثاني : قال الأخفش : إن خلاف بمعنى خلف ومعناه بعد رسول الله ﷺ وقوله تعالى :﴿وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله﴾ تعريض للمؤمنين بتحملهم المشاق لوجه الله تعالى بما فعلوا من بذل أنفسهم وأموالهم وإيثارهم ذلك على السكون والراحة وكره ذلك المنافقون وكيف لا يكرهون وما فيهم ما في المؤمنين من باعث الإيمان وداعي الإيقان ﴿وقالوا﴾ أي : قال بعض المنافقين لبعض أو قالوا للمؤمنين تثبيطاً ﴿لا تنفروا﴾ أي : لا تخرجوا إلى الجهاد ﴿في الحرّ﴾ وكانت غزوة تبوك في شدّة الحر فأجاب الله تعالى عن هذا بقوله تعالى :﴿قل نار جهنم أشدّ حرّاً لو كانوا يفقهون﴾ أي : يعلمون أنّ بعد هذه الدار داراً أخرى وأن بعد هذه الحياة
٧٢٥
حياة أخرى وأنّ هذه مشقة منقضية وتلك مشقة باقية ما تخلفوا ولبعضهم
*مسرة أحقاب تلقيت بعدها ** مساءة يوم اربها شبه الصابي*
*فكيف بأن تلقى مسرة ساعة ** وراء تقضيها مساءة أحقاب*
وقوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon