ولأنّ ابنه كان بالوصف المتقدم فأكرمه النبي ﷺ لمكان ابنه ولأن الرحمة والرأفة كانت غالبة عليه ﷺ ولأنها كانت مكافأة لإلباسه العباس قميصه حين كان أسر ببدر والمراد من الصلاة الدعاء للميت والاستغفار له وهو ممنوع في حق الكافر، قال الواحدي : مات في موضع جر لأنه صفة للنكرة كأنه قيل : على أحد منهم ميت، وقوله تعالى :﴿أبداً﴾ متعلق بقوله :﴿ولا تصل﴾ والتقدير ولا تصل أبداً على أحد منهم منعاً كلياً دائماً، وقال البيضاوي : مات أبداً يعني : الموت على الكفر فإن إحياء الكافر للتعذيب لا للتمتع فكأنه لم يحيى واختلف في تفسير قوله تعالى :﴿ولا تقم على قبره﴾ فقال الزجاج : كان رسول الله ﷺ إذا دفن الميت وقف على قبره ودعا له فمنع ههنا منه قال الكلبي : لا تقم لإصلاح مهمات قبره وهو من قولهم قام فلان بأمر فلان إذا كفاه أمره وتولاه، وقيل : لا تقم عند قبره لدفن أو زيارة والأوّل أولى لأنّ النهي للتحريم ثم إنه تعالى علل المنع من الصلاة عليه والقيام على قبره بقوله تعالى :﴿إنهم كفروا با ورسوله وماتوا وهم فاسقون﴾ أي : كافرون يعني : لم يتوبوا قبل موتهم عن كفرهم فسقط بذلك ما قيل : إن الفسق أدنى من الكفر فما الفائدة في وصفهم بعد ذلك بالفسق، وأجيب أيضاً : بأنّ الكافر قد يكون عدلاً في دينه وقد يكون فاسقاً فوصف الله تعالى المنافق بالفسق بعد أن وصفه بالكفر تنبيهاً على أن طريقة النفاق طريقة مذمومة عند كل أهل العلم.
فإن قيل : كيف همّ ﷺ أن يصلي على هذا المنافق مع قيام الكفر فيه وقيل : إنه صلى عليه ؟
أجيب : بأنّ التكاليف مبنية على قوله ﷺ "نحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر" فإنه كان ظاهره الإسلام فلما أعلمه الله تعالى بذلك امتنع فلم يصل على منافق بعد ذلك ولا قام على قبره حتى قبض.
﴿ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون﴾ سبق ذكر هذه الآية في هذه السورة بعينها ولكن حصل بينهما تفاوت في ألفاظ أربعة :
٧٢٧
أوّلها : أنّ في الآية المتقدّمة ﴿فلا تعجبك﴾ بالفاء وههنا بالواو لأنّ الآية الأولى ذكرت بعد قوله تعالى :﴿ولا ينفقون إلا وهم كارهون﴾ وصفهم بكونهم كارهين للإنفاق وإنما كرهوا ذلك الإنفاق لكونهم معجبين بكثرة تلك الأموال والأولاد فلهذ المعنى نهاه الله تعالى عن ذلك الإعجاب بفاء التعقيب وأما ههنا فلا تعلق لهذا الكلام بما قبله فجاء بحرف الواو. ثانيها : أنه قال تعالى في الآية الأولى :﴿فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم﴾ وههنا كلمة لا محذوفه لأنّ مثل هذا الترتيب يبدأ فيه بالأدون ثم يترقى إلى الأشرف فيقال : لا يعجبني أمر الأمير ولا أمر الوزير وهذا يدل على أنه كان إعجاب أولئك الأقوام بأولادهم فوق إعجابهم بأموالهم وهذه الآية تدل على عدم التفاوت بين الأمرين عندهم. ثالثها : أنه تعالى قال هناك :﴿إنما يريد الله ليعذبهم﴾ وههنا قال :﴿إنما يريد الله أن يعذبهم﴾ فالفائذة فيه التنبيه على أن التعليل في أحكام الله تعالى محال وإن ورد حرف التعليل ومعناه أنه كقوله تعالى :﴿وما أمروا إلا ليعبدوا الله﴾ وما أمروا إلا بأن يعبدوا الله. رابعها : أنه ذكر في الآية الأولى ﴿في الحياة الدنيا﴾ وههنا أسقط لفظ الحياة تنبيهاً على أن الحياة الدنيا بلغت في الخسة مبلغاً إلى أنها لا تستحق أن تسمى حياة بل يجب الاقتصار عند ذكرها على لفظ الدنيا تنبيهاً على كمال دناءتها، قال الرازي : فهذه وجوه في الفرق بين هذه الألفاظ والعالم بتحقيق القرآن هو الله تعالى.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٧٢٤
فإن قيل : ما الحكمة في التكرير ؟
أجيب : بأنه أشدّ الأشياء جذباً وطلباً للخواطر الاشتغال بالدنيا وهي الأموال والأولاد وما كان كذلك يجب التحذير عنه مرّة بعد أخرى في المطلوبية والمرغوبية كما أعاد تعالى قوله في سورة النساء :﴿إنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لما يشاء﴾ (النساء، ٤٨)
مرّتين وقيل : إنما كرّر هذا المعنى لأنّ الآية الأولى في قوم منافقين لهم أموال وأولاد في وقت نزولها وهذه الآية في قوم آخرين والكلام الواحد إذا احتيج إلى ذكره مع أقوام كثيرين في أوقات مختلفة لم يكن ذكره مع بعضهم مغنياً عن ذكره مع آخرين، وقوله تعالى :
﴿وإذا أنزلت سورة﴾ يحتمل أن يراد بالسورة تمامها وأن يراد بعضها أي : طائفة من القرآن وقيل : المراد بالسورة سورة براءة لأنّ فيها الأمر بالإيمان والجهاد ﴿أن آمنوا با﴾ أي : بأن آمنوا ويجوز أن تكون أن المفسرة ﴿وجاهدوا مع رسوله﴾.


الصفحة التالية
Icon