﴿ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق﴾ في سبيل الله تعالى ﴿مغرماً﴾ أي : غرامة وخسراناً والغرامة ما ينفقه الرجل وليس يلزمه لأنه لا ينفق إلا تقية من المسلمين ورياء لا لوجه الله تعالى وابتغاء المثوبة عنده وهم أسد وغطفان ﴿ويتربص﴾ أي : ينتظر ﴿بكم الدوائر﴾ أي : دوائر الزمان أن ينقلب عليكم فيموت النبيّ ﷺ ويظهر المشركون قال الله تعالى :﴿عليهم دائرة السوء﴾ دعاء عليهم معترض، قال التفتازاني : بين كلامين لا في أثناء كلام ولا في آخره دعا عليهم بنحو ما دعوا به قال الله تعالى :﴿وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم﴾ (المائدة، ٦٤)
أي : يدور عليهم البلاء والحزن ولا يرون في محمد ﷺ ودينه وأصحابه إلا ما يسوءهم ويكيدهم وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بضم السين والباقون بالفتح مصدر أضيف إليه للمبالغة كقولك : رجل سوء في نقيض قولك : رجل صدق ﴿وا سميع﴾ لأقوالهم ﴿عليم﴾ بما تخفي ضمائرهم ولما بين سبحانه وتعالى أنه حصل في الأعراب من يتخذ إنفاقه في سبيل الله مغرماً بين أن فيهم قوماً مؤمنين صالحين مجاهدين يتخذ إنفاقه في سبيل الله مغنماً بقوله تعالى :﴿ومن الأعراب من يؤمن با واليوم الآخر﴾ كبعض جهينة ومزينة فوصفهم الله تعالى بوصفين : كونهم مؤمنين بالله واليوم الآخر والمقصود التنبيه على أنه لا بدّ في جميع الطاعات من تقديم الإيمان وفي الجهاد أيضاً كذلك والثاني : ما ذكره بقوله تعالى :﴿ويتخذ ما ينفق قربات﴾ جمع قربة أي : يقربه ﴿عند الله﴾ الذي لا أشرف من القرب عنده ﴿و﴾ وسيلة إلى ﴿صلوات﴾ أي : دعوات ﴿الرسول﴾ ﷺ لأنه كان يدعو للمصدقين عنده بالخير والبركة ويستغفر لهم كقوله ﷺ "اللهم صل على آل أوفى" قال تعالى :﴿وصل عليهم﴾ أي : ادع لهم ولما كان ما ينفق سبباً لذلك قيل : يتخذ ما ينفق قربات وصلوات الرسول ﴿ألا إنها﴾ أي : نفقاتهم ﴿قربة لهم﴾ عند الله وهذا شهادة من الله تعالى للمؤمن المتصدّق بصحة ما اعتقد من كون نفقاته قربات عند الله وصلوات الرسول وقد أكد تعالى هذه الشهادة بحرف التنبيه وهو قوله تعالى :﴿ألا﴾
٧٣٣
وبحرف التحقيق وهو قوله تعالى :﴿إنها﴾ ثم زاد في التأكيد فقال تعالى :﴿سيدخلهم الله في رحمته﴾ فإن دخول السين توجب مزيد التأكيد وهذه النعمة هي أقصى مرادهم. وقرأ ورش : قربة برفع الراء والباقون بالسكون والأصل هو الضم والإسكان تخفيف ﴿إنّ الله غفور﴾ أي : بليغ الستر لقبائح من تاب ﴿رحيم﴾ بهم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٧٣١
ولما ذكر تعالى فضائل الأعراب الذين يتخذون ما ينفقون قربات عند الله وما أعدّ لهم من الثواب بين تعالى أن فوق منزلتهم منازل أعلى وأعظم منها بقوله تعالى :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٧٣١
﴿والسابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار﴾ أما من المهاجرين فقال سعيد بن المسيب : هم الذين صلوا إلى القبلتين، وقال عطاء بن أبي رباح : هم أهل بدر، وقال الشعبي : هم أهل بيعة الرضوان، وقال محمد بن كعب : هم جماهير الصحابة، وقيل : هم الذين أسلموا قبل الهجرة.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٧٣٤
واختلف في أوّل الناس إسلاماً وأوّل من صلى مع رسول الله ﷺ فقال بعض العلماء : أوّل من أسلم بعد خديجة علي بن أبي طالب وهذا قول جابر واختلفوا في سنه وقت إسلامه فقيل : كان ابن عشر سنين، وقيل : أقل من ذلك، وقيل : أكثر، وقيل : كان بالغاً، والأكثرون على أنه لم يكن بالغاً وقت إسلامه، وقال بعضهم : أوّل من أسلم بعد خديجة أبو بكر الصديق وهذا قول ابن عباس، وقال بعضهم : أوّل من أسلم بعد خديجة زيد بن حارثة مولى رسول الله ﷺ وهذا قول عروة بن الزبير وكان إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يجمع بين هذه الروايات فيقول : أوّل من أسلم من الرجال أبو بكر ومن النساء خديجة ومن الصبيان علي ومن الموالي زيد بن حارثة مولى رسول الله ﷺ فهؤلاء أربعة سباق الخلق إلى الإسلام.
٧٣٤


الصفحة التالية
Icon