﴿يا بني إسرائيل﴾ أي : أولاد يعقوب وإسرائيل لقبه، ومعنى إسرا بالعبرانية عبد وإيل الله فمعناه : عبد الله، وقيل : صفوة الله ﷺ ﴿اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم﴾ أي : بالتكثر فيها والقيام بشكرها، والذكر يكون بالقلب ويكون باللسان، وتقييد النعمة بهم لأن الإنسان غيور حسود بالطبع فإذا نظر إلى ما أنعم الله على غيره حمله الغيرة والحسد على الكفران والسخط وإن نظر إلى ما أنعم به عليه حمله حب النعمة على الرضا والشكر لله، وقيل : أراد بها ما أنعم على آبائهم من فلق البحر وإنجائهم من فرعون بإغراقه وتظليل الغمام عليهم في التيه وإنزال المنّ والسلوى وغير
٦٢
ذلك من النعم التي لا تحصى قال الله تعالى :﴿وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها﴾ (إبراهيم، ٣٤) (النحل، ١٨) ﴿وأوفوا بعهدي﴾ أي : بامتثال أمري ومنه ما عهدت إليكم من الإيمان بمحمد ﷺ ﴿أوف بعهدكم﴾ أي : الذي عهدته إليكم من الثواب عليه بدخول الجنة.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٦١
تنبيه : للوفاء بالعهد درجات كثيرة : فأوّل مراتبه منا هو الإتيان بكلمتي الشهادتين، ومن الله تعالى حقن الدماء والمال، وآخرها منا الاستغراق في بحر التوحيد بحيث يغفل عن نفسه فضلاً عن غيره، ومن الله تعالى الفوز بالغنى الدائم، وأمّا ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من أن ﴿أوفوا بعهدي﴾ في اتباع محمد ﴿أوف بعهدكم﴾ في رفع الآصار أي : الأثقال والأغلال، وعن غير ابن عباس : أوفوا بأداء الفرائض وترك الكبائر أوف بالمغفرة والثواب، أو أوفوا بالاستقامة على الطريق المستقيم أوف بالكرامة والنعيمم المقيم فبالنظر إلى الوسايط ﴿وإياي فارهبون﴾ فيما تأتون وتذرون وخصوصاً في نقض العهد، والرهبة خوف مع تحرز.
تنبيه : الآية متضمنة للوعد والوعيد دالة على وجوب الشكر والوفاء بالعهد وأنّ المؤمن ينبغي أن لا يخاف أحداً إلا الله.
﴿وآمنوا بما أنزلت﴾ من القرآن، وقوله تعالى :﴿مصدّقاً﴾ حال مؤكدة مما أنزلت أو من ضميره المحذوف ﴿لما معكم﴾ من التوراة بموافقته له ولغيره من الكتب الإلهية في القصص ونعت النبيّ ﷺ والمواعيد والدعاء إلى التوحيد والأمر بالعبادة والعدل بين الناس والنهي عن المعاصي والفواحش وفيما يخالفها من جزئيات الأحكام بسبب تفاوت الأعصار في المصالح من حيث أن كل واحد منها حق بالاضافة إلى زمانها مراعى فيها صلاح من خوطب بها حتى لو نزل المتقدّم في أيام المتأخر لنزل على وفقه، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام كما رواه الإمام أحمد وغيره :"لو كان موسى حياً لما وسعه إلا اتباعي" وفي ذلك تنبيه على أن اتباع تلك الكتب الإلهية لا ينافي الإيمان بالقرآن بل يوجبه ولذلك عرّض بقوله :﴿ولا تكونوا أوّل كافر به﴾ أي : بالقرآن بل يجب أن تكونوا أوّل مؤمن به لأنكم أهل نظر في معجزاته والعلم بشأنه.
فإن قيل : كيف نهوا عن التقدّم في الكفر وقد سبقهم مشركو العرب أجيب : بأن المراد به التعريض بما يجب عليهم لمقتضى حالهم لا الدلالة على ما نطق الظاهر، كقولك لمن أساء : أمّا أنا فلست بجاهل، أو ولا تكونوا أوّل كافر من أهل الكتاب لأن خلفكم تبع لكم فإثمهم عليكم أو ممن كفر بما معه فإن من كفر بالقرآن فقد كفر بما يصدقه أو مثل من كفر من مشركي مكة.
تنبيه : أوّل كافر به وقع خبراً عن ضمير الجمع بتقدير أوّل فريق أو فوج أو بتأويل لا يكن كل واحد منكم أوّل كافر به كقولك : كسانا حلة أي : كل واحد منا ﴿ولا تشتروا﴾ تستبدلوا ﴿بآياتي﴾ التي في كتابكم من نعت محمد ﷺ ﴿ثمناً قليلاً﴾ أي : عوضاً يسيراً من الدنيا أي : لا تكتموها خوف فوات ما تأخذونه من سفلتكم وذلك أنّ رؤساء اليهود وعلماءهم كانت لهم مآكل يصيبونها من سفلتهم وجهالهم يأخذون منهم كل سنة شيئاً معلوماً من زروعهم وضروعهم ونقودهم فخافوا أنهم إن بينوا صفة النبيّ ﷺ وتابعوه أن يفوتهم تلك المآكل فغيروا نعته وكتموا اسمه فاختاروا الدنيا على الآخرة فنهوا عن ذلك فإنّ حظوظ الدنيا وإن جلت قليلة مسترذلة بالاضافة إلى ما يفوت من
٦٣
حظوظ الآخرة ﴿وإياي فاتقون﴾ خافون في ذلك دون غيري.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٦١
﴿ولا تلبسوا﴾ أي : تخلطوا ﴿الحق﴾ الذي أنزلت عليكم من صفة محمد ﷺ ﴿بالباطل﴾ الذي تخترعونه وتكتبونه بأيديكم من تغيير صفته ﴿و﴾ لا ﴿تكتموا الحق﴾ أي : تكتموا نعت النبيّ ﷺ ﴿وأنتم تعلمون﴾ أنكم لابسون الحق بالباطل كاتمون فإنه أقبح إذ الجاهل يعذر.


الصفحة التالية
Icon