﴿وأقيموا الصلاة﴾ أي : الصلوات الخمس بمواقيتها وحدودها ﴿وآتوا الزكاة﴾ أي : أدوا زكاة أموالكم المفروضة. أمرهم بفروع الإسلام بعدما أمرهم بأصوله وفيه دليل على أنّ الكفار مخاطبون بها والزكاة مأخوذة من زكا الزرع إذا نما وكثر أو من الزكاة بمعنى الطهارة وكلا المعنيين موجود في الزكاة فإنّ إخراجها يستجلب بركة في المال ويثمر للنفس فضيلة الكرم ويطهر المال من الخبث والنفس من البخل ﴿واركعوا مع الراكعين﴾ أي : صلوا مع المصلين محمد ﷺ وأصحابه في جماعتهم فإنّ صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ أي : الفرد بسبع وعشرين لما فيها من تظاهر أي : تعاون النفوس، وعبر عن الصلاة بالركوع احترازاً عن صلاة اليهود لأنّ صلاتهم لم يكن فيها ركوع أي : صلوا مع الذين في صلاتهم ركوع، وقيل : الركوع الخضوع والانقياد لما يلزمهم الشارع، قال الشاعر :
لا تذلّ الضعيف (وروي لا تهين الفقير) علك (أي : لعلك) أن تركع يوماً والدهر قد رفعه.
فتركع من الركوع بمعنى الانحناء والميل وأراد به الانحطاط من الرتبة.
ونزل في علماء اليهود وكانوا يقولون لأقربائهم المسلمين سراً : اثبتوا على دين محمد ﷺ فإنه حق ولا يتبعونه.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٦٤
أتأمرون الناس بالبرّ﴾ أي : بالإيمان بمحمد ﷺ في ذلك تقريع مع توبيخ وتعجيب، والبرّ شرعاً التوسع في الخير من البرّ بالفتح وهو الفضاء الواسع يتناول كل خير ولذلك قيل : البر ثلاثة : برّ في عبادة الله، وبر في معاملة الأقارب، وبر في معاملة الأجانب ﴿وتنسون أنفسكم﴾ أي : تتركونها من البرّ كالمنسيات، وقيل : كانوا يأمرون بالصدقة ولا يتصدّقون ﴿وأنتم تتلون الكتاب﴾ أي : التوراة وفيها الوعيد على العناد وترك البرّ ومخالفة القول العمل ﴿أفلا تعقلون﴾ سوء فعلكم فيصدّكم عنه، أو فلا عقل لكم يمنعكم عما تعملون من عدم موافقة عاقبته لكم والآية ناعية على من
٦٤
يعظ غيره ولا يتعظ بنفسه بسوء صنيعه وخبث نفسه وإن فعله فعل الجاهل بالشرع أو الأحمق الخالي عن العقل فإنّ الجامع بين العلم والعقل يأبى عن كونه واعظاً غير متعظ نفسه، والمراد بها حث الواعظ على تزكية النفس والإقبال عليها بالتكميل لها ليقوّم نفسه ثم يقوم غيره لا منع الفاسق عن الوعظ فإنّ الإخلال بأحد الأمرين المأمور بهما لا يوجب الإخلال بالآخر، ولكن روي عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أنّ رسول الله ﷺ قال :"رأيت ليلة أسري بي رجالاً تقرض شفاههم بمقاريض من نار فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟
قال : هؤلاء الخطباء من أمّتك يأمرون الناس بالبرّ وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب" وعن أسامة رضي الله تعالى عنه أنه قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول :"يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه أي : فتنقطع أمعاؤه في النار فيدور كما يدور الحمار برحاه فيجتمع أهل النار عليه فيقولون : أي فلان ما شأنك أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر ؟
قال : كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه" وقال شعبة عن الأعمش : فيطحن فيها كطحن الحمار برحاه ﴿واستعينوا﴾ أي : اطلبوا المعونة على أموركم ﴿بالصبر﴾ أي : الحبس للنفس على ما تكره ﴿والصلاة﴾ أفردها بالذكر تعظيماً لشأنها فإنها جامعة لأنواع العبادات النفسانية والبدنية من الطهارة وستر العورة وصرف المال فيهما والتوجه إلى الكعبة والعكوف للعبادة وإظهار الخشوع بالجوارح وإخلاص النية بالقلب ومجاهدة الشيطان ومناجاة الرحمن وقراءة القرآن والتكلم بالشهادتين وكف النفس عن الأطيبين وهما الأكل والجماع.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٦٤