﴿ما كان﴾ أي : ما صح وما ينبغي بوجه من الوجوه ﴿لأهل المدينة﴾ أي : دار الهجرة ومعدن النصرة ﴿ومن حولهم﴾ أي : في جميع نواحي المدينة الشريفة ﴿من الأعراب﴾ أي : سكان البوادي وهم مزينة وجهينة وأشجع وأسلم وغفار، وقيل : عام في كل الأعراب لأنّ اللفظ عام وحمله على العموم أولى وقوله تعالى :﴿أن يتخلفوا عن رسول الله﴾ أي : عن حكمه وقوله تعالى :﴿ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه﴾ أي : بأن يصونوها عما رضي لنفسه عليه الصلاة والسلام من الشدائد يجوز فيه النصب والجزم على أن لا ناهية.
روي عن أبي خيثمة أنه بلغ بستانه واستوى ونضج وله امرأة حسناء فرشت له في الظلّ وبسطت له الحصير وقربت له الرطب والماء البارد فقال : ظلّ ظليل ورطب يانع أي : ناضج وماء بارد وامرأة حسناء ورسول الله ﷺ في الضح والريح ما هذا بخير فقام فرجل ناقته وأخذ سيفه ورمحه ومرّ كالريح فمدّ رسول الله ﷺ طرفه إلى الطريق فإذا براكب يزهاه السراب أي : يدفعه وهو عبارة عن السرعة فقال رسول الله ﷺ "كن أبا خيثمة" فكان هو ففرح به رسول الله ﷺ واستغفر له ﴿ذلك﴾ أي : النهي عن التخلف ﴿بأنهم﴾ أي : بسبب إنهم ﴿لا يصيبهم ظمأ﴾ أي : عطش ﴿ولا نصب﴾ أي : تعب ﴿ولا مخمصة﴾ أي : مجاعة ﴿في سبيل الله﴾ أي : في طريق دينه ﴿ولا يطؤن﴾ أي : يدوسون وقوله تعالى :﴿موطئاً﴾ مصدر أي : وطأ أو مكان وطء ﴿يغيظ﴾ أي : يغضب ﴿الكفار﴾ أي : وطؤهم له بأرجلهم ودوابهم ﴿ولا ينالون من عدوّ نيلاً﴾ أي : قتلاً أو أسراً أو غنيمة أو هزيمة أو نحو ذلك قليلاً كان أو كثيراً ﴿إلا كتب لهم به﴾ أي : بذلك ﴿عمل صالح﴾ أي : ثواب جزيل عند الله تعالى يجازيهم به ﴿إنّ الله لا يضيع أجر المحسنين﴾ أي : لا يترك ثوابهم وأظهر موضع الإضمار تنبيهاً على أنّ الجهاد إحسان.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٧٤٧
تنبيه : في هذه الآية دلالة على أنّ من قصد طاعة الله تعالى كان قيامه وقعوده ومشيه وحركته وسكونه كلها حسنات مكتوبة عند الله تعالى وكذا القول في طرف المعصية فإنّ حركته فيها كلها سيآت فما أعظم بركة الطاعة وما أكبر ذل المعصية إلا أن يغفرها الله تعالى.
٧٥٠
وعن أبي عيسى رضي الله تعالى عنه قال :"سمعت رسول الله ﷺ يقول : من اغبرّت قدماه في سبيل الله حرّمه الله تعالى على النار".
﴿ولا ينفقون﴾ في سبيل الله ﴿نفقة صغيرة﴾ تمرة فما دونها ﴿ولا كبيرة﴾ أي : أكثر منها مثل ما أنفق عثمان رضي الله تعالى عنه في جيش العسرة ﴿ولا يقطعون﴾ أي : يجاوزون ﴿وادياً﴾ أي : أرضا في سيرهم مقبلين أو مدبرين ﴿إلا كتب لهم﴾ ذلك من الإنفاق وقطع الوادي ﴿ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون﴾ أي : يجزيهم الله جزاء هو أحسن من أعمالهم وأجل وأفضل وهو الثواب.
فائدة : الوادي كل منفرج بين جبال وآكام يكون منفذاً للسبيل وهو في الأصل فاعل من ودى إذا سال ومنه الوادي وقد شاع في استعمال العرب بمعنى الأرض يقولون : لا تصلّ في وادي غيرك.
تنبيه : في الآية دليل على فضل الجهاد والإنفاق فيه ويدل عليه أشياء :
منها ما روي عن ابن مسعود قال : جاء رجل بناقة مخطومة فقال : هذه في سبيل الله فقال رسول الله ﷺ "لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة".
ومنها ما روي عن زيد بن خالد أنّ رسول الله ﷺ قال :"من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا ومن خلف غازياً في سبيل الله فقد غزا".
ومنها ما روي عن سهل بن سعد الساعديّ أنّ رسول الله ﷺ قال :"رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها وموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما عليها" وفي رواية وما فيها.
ومنها ما روي عن أبي سعيد الخدري أنّ رجلاً سأل رسول الله ﷺ أيّ الناس أفضل ؟
قال :"مؤمن مجاهد بنفسه في سبيل الله" قال : ثم أيّ ؟
قال :"ثم رجل في شعب من الشعاب يعبد الله تعالى" وفي رواية يتقي الله ويدع الناس من شرّه وقوله تعالى :
﴿وما كان المؤمنون لينفروا كافة﴾ فيه احتمالان :
الأول أنه كلام مبتدأ لا تعلق له بالجهاد.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٧٤٧
والثاني أن يكون من بقية أحكام الجهاد فعلى الأوّل يقال : وما استقام لهم أن ينفروا جميعاً لنحو غزو وطلب علم كما لا يستقيم لهم أن يتثبطوا جميعاً فإنه يخلّ بأمر المعاش ﴿فلولا﴾ أي : فهلا ﴿نفر من كل فرقة﴾ أي : قبيلة ﴿منهم طائفة﴾ أي : جماعة ومكث الباقون ﴿ليتفقهوا﴾ أي :
٧٥١


الصفحة التالية
Icon