ليتكلفوا الفقاهة ﴿في الدين﴾ ويتجشموا مشاق تحصيلها ليعرفوا الحلال من الحرام ويعودوا إلى أوطانهم ﴿ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم﴾ أي : وليجعلوا غاية سعيهم ومعظم غرضهم من الفقاهة إرشاد القوم وإنذارهم وتخصيصه بالذكر لأنه أهمّ وفيه دليل على أنّ التفقه والتذكير من فروض الكفاية وأنه ينبغي أن يكون غرض المتكلم فيه أن يستقيم ويقيم لا الترفع على الناس وصرف وجوههم إليه والتبسط في البلاد ليدخل في قوله ﷺ "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" وفي قوله ﷺ "فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم" وفي قوله ﷺ "من سلك طريقاً يلتمس فيها علماً سهل الله تعالى له طريقاً إلى الجنة" ﴿لعلهم يحذرون﴾ عقاب الله تعالى بامتثال أمره ونهيه، وعلى الاحتمال الثاني يقال : إنه لما نزل في المتخلفين ما نزل سبق المؤمنين إلى النفير وانقطعوا عن التفقه فأمروا بأن ينفر من كل فرقة طائفة إلى الجهاد ويمكث الباقون يتفقهون حتى لا ينقطع التفقه الذي هو الجهاد الأكبر لأنّ الجدال بالحجة هو الأصل والمقصود من البعثة فيكون الضمير في ليتفقهوا ولينذروا لبواقي الفرق بعد الطوائف النافرة للغزو وفي رجعوا للطوائف ولينذروا لباقي قومهم النافرين إذا رجعوا إليهم بما حصلوا أيام غيبتهم من العلوم قال ابن عباس : فهذه مخصوصة بالسرايا والتي قبلها بالنهي عن تخلف أحد فيما إذا خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم
جزء : ١ رقم الصفحة : ٧٤٧
أمروا بقتال الأقرب منهم فالأقرب كما أمر ﷺ أوّلاً بإنذار عشيرته الأقربين، وقد حارب رسول الله ﷺ قومه ثم غيرهم من عرب الحجاز ثم غزا الشام، وقيل : هم قريظة والنضير وفدك وخيبر، وقيل : الروم لأنهم كانوا يسكنون الشام والشام أقرب إلى المدينة من العراق وغيره وهكذا المفروض على أهل كل ناحية أن يقاتلوا من وليهم ما لم يضطرّوا إلى أهل ناحية أخرى ﴿وليجدوا فيكم غلظة﴾ أي : شدّة وصبراً على القتال والغلظة ضدّ الرقة أي : اغلظوا عليهم ﴿واعلموا أنّ الله مع المتقين﴾ بالعون والنصرة والحراسة.
٧٥٢
﴿وإذا ما أنزلت سورة﴾ من القرآن ﴿فمنهم﴾ أي : المنافقين ﴿من يقول﴾ أي : لأصحابه إنكاراً واستهزاءً بالمؤمنين ﴿أيكم زادته هذه﴾ السورة ﴿إيماناً﴾ أي : تصديقاً، قال الله تعالى :﴿فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً﴾ بزيادة العلم الحاصل في تدبر السورة وانضمام الإيمان بها وبما فيها إلى إيمانهم ﴿وهم يستبشرون﴾ أي : يفرحون بنزولها لأنه سبب لزيادة كمالهم وارتفاع درجاتهم ﴿وأما الذين في قلوبهم مرض﴾ أي : شك ونفاق سمي الشك في الدين مرضاً لأنه فساد في القلب يحتاج إلى علاج كالمرض في البدن إذا حصل يحتاج إلى علاج ﴿فزادتهم﴾ أي : السورة أي : نزولها ﴿رجساً إلى رجسهم﴾ أي : كفراً بها مضموماً إلى الكفر بغيرها ﴿وماتوا﴾ أي : هؤلاء المنافقون ﴿وهم كافرون﴾ أي : وهم جاحدون لما أنزل الله تعالى على رسوله ﷺ قال مجاهد : في هذه الآية دليل على أنّ الإيمان يزيد وينقص، وكان عليّ رضي الله تعالى عنه يأخذ بيد الرجل والرجلين من الصحابة ويقول : تعالوا حتى نزداد إيماناً وقوله تعالى :
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٧٥٢
أولا يرون﴾
قرأه حمزة بالتاء أي : أيها المؤمنون والباقون بالياء على الغيبة أي : المنافقون ﴿أنهم يفتنون﴾ أي : يبتلون ﴿في كل عام مرّة أو مرّتين﴾ بالأمراض والقحط والحرب ﴿ثم لا يتوبون﴾ من نفاقهم ونقض عهودهم إلى الله تعالى ﴿ولا هم يذكرون﴾ أي : ولا يتعظون بما يرون من نصرته ﷺ وتأييده.
﴿وإذا ما أنزلت سورة﴾ فيها عيب المنافقين وتوبيخهم وقرأها ﷺ ﴿نظر بعضهم إلى بعض﴾ أي : تغامزوا بالعيون إنكاراً لها وسخرية أو غيظاً لما فيها من عيوبهم ويريدون الهرب يقولون :﴿هل يراكم من أحد﴾ أي : من المؤمنين إذا قمتم فإن لم يرهم أحد قاموا وخرجوا من المسجد وإن علموا أنّ أحداً يراهم ثبتوا على تلك الحالة ﴿ثم انصرفوا﴾ على كفرهم ونفاقهم وقيل : انصرفوا عن مواضعهم التي يسمعون فيها ما يكرهون وقوله تعالى :﴿صرف الله قلوبهم﴾ أي : عن الهدى يحتمل الإخبار والدعاء ﴿بأنهم﴾ أي : بسبب أنهم ﴿قوم لا يفقهون﴾ أي : لسوء فهمهم وعدم تدبرهم.


الصفحة التالية
Icon