﴿يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم﴾ بالشكر عليها بطاعتي، كرره للتوكيد وتذكير التفضل الذي هو أجل النعم خصوصاً، وربطه بالوعيد الشديد تخويفاً لمن غفل عنها وأخلّ بحقوقها وعطف على نعمتي ﴿وأني فضلتكم﴾ أي : آباءكم الذين كانوا في عصر موسى ﷺ وبعده قبل أن يغيروا ﴿على العالمين﴾ أي : عالمي زمانهم بما منحهم الله من العلم والإيمان والعمل وجعلهم أنبياء وملوكاً مقسطين وذلك التفضيل وإن كان في حق الآباء ولكن يحصل به الشرف في الأبناء. واستدل بذلك على أن الأصلح لا يجب على الله لأنّ تفضيلهم لو وجب عليه لم يجز جعله منة عليهم لأنّ من أتى بما وجب عليه لا منة له به على أحد.
﴿واتقوا﴾ خافوا ﴿يوماً﴾ أي : ما فيه من الحساب والعقاب وهو يوم القيامة ﴿لا تجزى﴾ أي : لا تقضى ﴿نفس عن نفس﴾ فيه ﴿شيئاً﴾ أي : حقاً لزمها.
تنبيه : قول البيضاوي وإيراده أي : شيئاً منكراً مع تنكير النفسين للتعميم والإقناط الكلي تبع فيه صاحب "الكشاف" وهو جار على مذهب المعتزلة من أنهم ينكرون الشفاعة للعصاة وسيأتي الجواب عن مذهبهم ﴿ولا تقبل﴾ بالتاء على التأنيث كما قرأ به ابن كثير وأبو عمرو بالياء على التذكير كما قرأ به الباقون ﴿منها شفاعة﴾ أي : من النفس الثانية لقوله تعالى :﴿ولا يؤخذ منها عدل﴾ أي : فداء ﴿ولا هم ينصرون﴾ أي : يمنعون من عذاب الله إذ الضمير في الجملتين للنفوس العاصية ويصح رجوعه للنفس الأولى لأنها المحدّث عنها في قوله تعالى :﴿لا تجزى نفس عن نفس﴾ والثانية مذكورة على سبيل الفضلة لا العمدة وتذكير ضمير ولا هم ينصرون مع أنّ الضمير راجع للنفوس، وكان المناسب هنّ بالتأنيث لأنه بمعنى العباد أو الأناس كما تقول ثلاثة أنفس بالتاء مع تأنيث النفس لتأويل النفوس بالأشخاص أو الرجال والنصرة أخص من المعونة لاختصاصه بدفع الضرر وقد تمسكت المعتزلة بهذه الآية على نفي الشفاعة لأهل الكبائر وأجاب أهل السنة عن ذلك بأجوبة منها : أن الآية مخصوصة بالكفار للآيات والأحاديث الواردة في الشفاعة ويؤيد هذا أنّ الخطاب معهم وعلى هذا يتمشى قول البيضاوي المارّ ويكون المراد حينئذٍ أنه ليس لها شفاعة فتقبل كما قال تعالى حاكياً عنهم ﴿فما لنا من شافعين﴾.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٦٦
ومنها : أنّ الآية نزلت ردّاً لما كانت اليهود تزعم أنّ آباءهم تشفع لهم.
٦٦
ومنها : أنها لا تشفع إلا بإذن الله.
﴿و﴾ اذكروا ﴿إذ نجيناكم﴾ أي : آباءكم الخطاب به وبما بعده للموجودين في زمن نبينا ﷺ بما أنعم على آبائهم تذكيراً لهم بنعمة الله ليؤمنوا ﴿من آل فرعون﴾ أي : أتباعه وأهل دينه، والمشهور أن أصل آل : أهل، لأن تصغيره أهيل، وقال الكسائيّ وغيره : أصله أول من آل يؤل أي : رجع، قلبت الواو ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها وتصغيره أويل.


الصفحة التالية
Icon