سبعون ألفاً من دهم الخيل سوى سائر الشيات، قال محمد بن كعب : وكان في عسكر فرعون مائة ألف حصان أدهم سوى سائر الشيات وكان فرعون في الدهم، وقيل : كان فرعون في سبعة آلاف ألف وكان بين يديه مائة ألف ناشب ومائة ألف أصحاب حراب ومائة ألف أصحاب الأعمدة فسارت بنو إسرائيل حتى وصلوا إلى البحر والماء في غاية الزيادة ونظروا فإذا هم بفرعون حين أشرقت الشمس فبقوا متحيرين وقالوا : يا موسى كيف نصنع وأين ما وعدتنا هذا فرعون خلفنا إن أدركنا قتلنا والبحر أمامنا إن دخلناه غرقنا، قال الله تعالى :﴿فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إنّ معي ربي سيهدين﴾ (الشعراء، ٦١) فأوحى الله تعالى إليه أن اضرب بعصاك البحر فضربه فلم يطعه فأوحى الله تعالى إليه أن كنه فضربه وقال : انفلق يا أبا خالد بإذن الله، فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم، فظهر فيه اثنا عشر طريقاً لكل سبط طريق وارتفع الماء بين كل طريقين كالجبل وأرسل الريح والشمس على قعر البحر حتى صار يبساً، فخاضت بنو إسرائيل البحر كل سبط في طريق وعن جانبيهم الماء كالجبل الضخم ولا يرى بعضهم بعضاً فخافوا وقال كل سبط : قد قتل إخواننا فأوحى الله تعالى إلى جبال الماء أن تشبكي فصارت شبكاً كالطاقات يرى بعضهم بعضاً ويسمع بعضهم كلام بعض حتى عبروا البحر سالمين فذلك قوله تعالى :﴿فأنجيناكم﴾ أي : من آل فرعون ﴿وأغرقنا آل فرعون﴾ وذلك أنّ فرعون لما وصل البحر فرآه منفلقاً قال لقومه : انظروا إلى البحر انفلق من هيبتي حتى أدرك عبيدي الذين أبقوا ادخلوا البحر فهاب قومه أن يدخلوه، وقيل : قالوا له : إن كنت رباً فادخل البحر كما دخل ـ يعني : موسى ـ وكان فرعون على حصان أدهم ولم يكن في خيل فرعون فرس أنثى فجاء جبريل على فرس أنثى فتقدّمهم وخاض البحر فلما شمّ أدهم فرعون ريحها اقتحم البحر، في أثرها وهم لا يرونه ولا يملك فرعون من أمره شيئاً وهو لا يرى فرس جبريل واقتحمت الخيول خلفه في البحر وجاء ميكائيل على فرس خلف القوم يستحثهم ويسوقهم حتى لا يشذ رجل منهم ويقول لهم : الحقوا بأصحابكم حتى خاضوا كلهم البحر وخرج جبريل من البحر وهمّ أوّلهم بالخروج فأمر الله البحر أن يأخذهم فالتطم عليهم وفرّقهم أجمعين وكان بين طرفي البحر أربعة فراسخ وهو بحر قلزم طرف من بحر فارس. قال قتادة : بحر من وراء مصر يقال له : أسان وذلك بمرأى من بني إسرائيل فذلك قوله تعالى :﴿وأنتم تنظرون﴾ إلى مصارعهم، أو إطباق البحر عليهم، أو انفلاق البحر عن طرق يابسة مذللة، أو جثثهم التي قذفها البحر إلى الساحل، أو ينظر بعضكم بعضاً، واعلم أنّ هذه الواقعة من أعظم ما أنعم الله به على بني إسرائيل، ومن الآيات الملجئة إلى العلم بوجود الصانع الحكيم وتصديق موسى الكليم، ثم إنهم اتخذوا العجل وقالوا :﴿لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة﴾ (البقرة، ٥٥) فهم بمعزل من الفطنة والذكاء وسلامة النفس وحسن الاتباع عن أمّة محمد ﷺ مع أن ما تواتر من معجزاته أمور نظرية مثل القرآن والتحدّي به والفضائل المجتمعة فيه الشاهدة على نبوّة محمد ﷺ دقيقة يدركها الأذكياء.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٦٦
٦٨
﴿وإذ وعدنا موسى﴾ بغير ألف بين الواو والعين، كما قرأ به أبو عمرو، والباقون بألف بين الواو والعين لأنه تعالى وعد موسى الوحي ووعد موسى ربه المجيء للميقات إلى الطور، وقيل : هذا من المفاعلة التي تكون من الواحد كعاقبت اللص وطارقت النعل. وأمال حمزة ألف موسى محضة، وأبو عمرو بين بين، وورش بالفتح وبين اللفظين ﴿أربعين ليلة﴾ أن يعطيه عند انقضائها التوراة ليتعلموا بها وضرب له ميقاتاً ذا القعدة وعشر ذي الحجة وعبر عنها بالليالي لأنها غرر الشهور، وقيل : لأنّ الظلمة أقدم من الضوء وخلق الله تعالى الليل قبل النهار قال الله تعالى :﴿وآية لهم الليل نسلخ منه النهار﴾ (يس، ٣٧) وقول البيضاوي : إنّ ذلك الوعد لما عادوا إلى مصر بعد هلاك فرعون تبع في ذلك "الكشاف" ولم يعرف ذلك لغيرهما وإنما كانوا بالشام لأن إتيان موسى للمقيات كان بطور سينا وهو بالشام لا بمصر وقد قال البهاء بن عقيل في "تفسيره" : لم يصرّح أحد من المفسرين والمؤرّخين بأنهم دخلوا مصر بعد خروجهم منها.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٦٨


الصفحة التالية
Icon