﴿فقلنا اضربوه﴾ أي : القتيل، عطف على ادّارأتم وما بينهما اعتراض، والضمير للنفس وتذكير الضمير على تأويل الشخص أو القتيل ﴿ببعضها﴾ أي : ببعض البقرة واختلفوا في ذلك البعض فقال ابن عباس رضي الله عنهما وأكثر المفسرين : ضربوه بالعظم الذي يلي الغضروف وهو ما لان من العظام، وقال مجاهد وسعيد بن جبير : بعجب الذنب لأنه أوّل ما يخلق وآخر ما يبلى ويركب عليه الخلق، وقال الضحاك : بلسانها، قال الحسين بن الفضل : لأنه آلة الكلام، وقال عكرمة والكلبي : بفخذها الأيمن، وقيل : بعضو منها لا بعينه ففعلوا ذلك فقام القتيل حياً بإذن الله تعالى وأوداجه تشخب دماً وقال : قتلني فلان ثم سقط ومات مكانه فحرم قاتله الميراث وقتل وفي الخبر "ما ورث قاتل بعد صاحب البقرة" وفيه إضمار تقديره : فضرب فحيي، قال تعالى :﴿كذلك﴾ الإحياء ﴿يحيي الله الموتى﴾ والخطاب مع من حضر حياة القتيل أو نزول الآية ﴿ويريكم آياته﴾ دلائل قدرته ﴿لعلكم تعقلون﴾ لكي يكمل عقلكم وتعلموا أنّ من قدر على إحياء نفس قدر على إحياء الأنفس كلها فتؤمنون.
قال البيضاويّ : ولعله تعالى إنما لم يحيه ابتداء وشرط فيه ما شرط لما فيه من التقرّب وأداء الواجب ونفع اليتيم والتنبيه على بركة التوكل أي : توكل أبي اليتيم والشفقة على الأولاد وأن من حق الطالب أن يقدم قربة والمتقرّب أن يتحرّى الأحسن ويغالي بثمنه كما روي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه ضحى بنجيبة ـ أي : من الابل ـ بثلثمائة دينار، وأن المؤثر في الحقيقة هو الله تعالى إلى إذ لا يتصوّر حياة ميت من غيره تعالى والأسباب أمارات لا أثر لها وأن من أراد أن يعرف أعدى عدوّه الساعي في إماتته الموت الحقيقي فطريقه أن يذبح بقرة نفسه التي هي القوّة الشهوية حين زال عنها أثر الصبا أي : عدم التكليف، وهو نظير لا بكر ولم يلحقها ضعف الكبر أي : وهو نظير لا فارض، وكانت معجبة رائقة المنظر أي : وهو نظير تسرّ الناظرين غير مذللة في طلب الدنيا أي : وهو نظير لا ذلول تثير الأرض مسلمة من دنسها، ﴿لا شية﴾ أي : لا علامة بها من قبائحها بحيث يصل أثره أي : الذبح إلى نفسه فتحيا حياة طيبة، ويعرب عما به ينكشف الحال ويرتفع ما بين العقل والوهم من التدارؤ والنزاع أي : لأن العقل يأمر بالخير والوهم يأمر بالشهوات.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٨٠
ثم قست قلوبكم﴾ أيها اليهود أي : ضلت عن قبول الحق لأن القساوة عبارة عن الغلظ مع الصلابة كما في الحجر وقساوة القلب مثل في بعده عن الاعتبار، وثم لاستبعاد القسوة عن الأحياء لا للتراخي في الزمان بل للاستبعاد مجاز القرينة ما قبلها بمعنى أنه يبعد من العاقل قسوة القلب بعد ظهور تلك الآية العظيمة ﴿من بعد ذلك﴾ المذكور من إحياء القتيل وما قبله من الآيات فإن ذلك مما يوجب لين القلب ﴿فهي كالحجارة﴾ في قسوتها، قرأ قالون وأبو عمرو والكسائي بسكون الهاء، والباقون بكسرها ﴿أو أشدّ قسوة﴾ من الحجارة، وقيل : أو بمعنى الواو كقوله تعالى : مائة
٨١
ألف أو يزيدون وإنما لم يشبهها بالحديد مع أنه أصلب من الحجارة لأنّ الحديد قابل للين فإنه يلين بالنار وقد لان لداود عليه الصلاة والسلام والحجارة، لا تلين قط ثم فضل الحجارة على القلب القاسي فقال :﴿وإنّ من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار﴾ أي : من بعض الحجارة وقيل : أراد به الحجر الذي كان يضرب عليه موسى للأسباط ﴿فإنّ منها لما يشقق﴾ فيه إدغام التاء في الأصل في الشين ﴿فيخرج منه الماء﴾ أي : عيوناً دون الأنهار ﴿وإنّ منها لما يهبط﴾ أن ينزل من أعلى الجبل إلى أسفله ﴿من خشية الله﴾وقلوبكم لا تتأثر ولا تلين ولا تخشع يا معشر اليهود.
فإن قيل : الحجر جماد لا يفهم فكيف يخشى ؟
أجيب : بأنّ الله يفهمه ويلهمه فيخشى بإلهامه، قال البغويّ : ومذهب أهل السنة أنّ لله تعالى علماً في الجمادات وسائر الحيوانات سوى العقلاء لا يقف عليه غيره فلها صلاة وتسبيح كما قال جلّ ذكره :﴿وإن من شيء إلا يسبح بحمده﴾ (الإسراء، ٤٤٠) وقال تعالى :﴿والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه﴾ (النور، ٤١) (الحج، ١٨) وقال تعالى :﴿ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر﴾ (الحج، ١٨) الآية فيجب على المرء الإيمان به ويكل علمه إلى الله سبحانه وتعالى.
روي أنّ النبيّ ﷺ كان على ثبير والكفار يطلعونه فقال الجبل : انزل عني فإني أخاف أن تؤخذ عليّ فيعاقبني الله بذلك، فقال له جبل حرا : إليّ إليّ يا رسول الله.
وروي أنّ رسول الله ﷺ قال :"إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم عليّ قبل أن أبعث وإني لأعرفه الآن".
وروي عن عليّ أنه قال :"كنا مع رسول الله ﷺ بمكة فرحنا في نواحيها خارجاً من مكة بين الجبال والشجر فلم يمرّ بشجر ولا جبل إلا قال : السلام عليك يا رسول الله".
جزء : ١ رقم الصفحة : ٨٠