وروي عن جابر أنه قال : كان النبيّ ﷺ إذا خطب استند إلى جذع نخلة من سواري المسجد فلما صنع له المنبر فاستوى عليه اضطربت تلك السارية وحنت كحنين الناقة حتى سمعها أهل المسجد حتى نزل رسول الله ﷺ فاعتنقها فسكتت، وقال مجاهد : لا ينزل حجر من أعلى إلى أسفل إلا من خشية الله ويشهد لذلك قوله تعالى :﴿لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدّعاً من خشية الله﴾ (الحشر، ٢١) ﴿وما الله بغافل﴾ أي : بساه ﴿عما تعملون﴾ وعيد وتهديد، وقيل : بتارك عقوبة ما تعملون بل يجازيكم به، وقرأ ابن كثير بالياء على الغيبة، والباقون بالتاء على الخطاب.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٨٠
﴿أفتطمعون﴾ أي : أفترجون أيها المؤمنون ﴿أن يؤمنوا﴾ أي : اليهود ﴿لكم﴾ أي : لأجل دعوتكم أو يصدّقوكم بما تخبرونهم به ﴿وقد كان فريق﴾ أي : طائفة ﴿منهم﴾ أي : أحبارهم ﴿يسمعون كلام الله﴾ أي : التوراة ﴿ثم يحرّفونه﴾ يغيرونه كنعت محمد ﷺ وآية الرجم، وقيل :
٨٢
هؤلاء من السبعين المختارين الذين سمعوا كلام الله حين كلم موسى عليه الصلاة والسلام بالطور ثم قالوا : سمعنا الله يقول في آخره إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا، وإن شئتم فلا تفعلوا ﴿من بعد ما عقلوه﴾ أي : فهموه بعقولهم ولم يبق لهم فيه ريبة ﴿وهم يعلمون﴾ أنهم مفترون والهمزة للإنكار أي : لا تطمعوا في إيمانهم فلهم سابقة في الكفر.
﴿وإذا لقوا﴾ أي : منافقو اليهود ﴿الذين آمنوا قالوا آمنا﴾ بأنكم على الحق وإنّ رسولكم هو المبشر به في التوراة ﴿وإذا خلا﴾ أي : رجع ﴿بعضهم إلى بعض قالوا﴾ أي : رؤساؤهم الذين لم ينافقوا ككعب بن الأشرف وكعب بن أسد ووهب بن يهودا لمن نافق ﴿أتحدّثونهم﴾ أي : المؤمنين ﴿بما فتح الله عليكم﴾ بما بين لكم في التوراة من نعت محمد ﷺ ﴿ليحاجوكم﴾ أي : ليخاصموكم ﴿به عند ربكم﴾ أي : بما أنزل ربكم في كتابه ويقيموا عليكم الحجة في ترك اتباعه مع علمكم بصدقه جعلوا محاجتهم بكتاب الله محاجة عند الله كما يقال : عند الله كذا، ويراد به أنه في كتابه وحكمه، وقيل : بين يدي رسول ربكم، وقيل : عند ربكم في الآخرة، وقوله تعالى :﴿أفلا تعقلون﴾ إمّا من تمام كلام اللائمين وهم خلص اليهود وتقديره أفلا تعقلون أنهم يحاجونكم فيحجونكم، وإمّا من خطاب الله للمؤمنين متصل بقوله تعالى :﴿أفتطمعون﴾ والمعنى : أفلا تعقلون حالهم وأنه لا مطمع لكم في إيمانهم.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ٨٢
أولا يعلمون﴾
أي : اللائمون أو المنافقون أو كلاهما ﴿إنّ الله يعلم ما يسرّون وما يعلنون﴾ من إسرارهم الكفر وإعلانهم الإيمان وإخفاء ما فتح الله عليهم وإظهار غيره وغير ذلك فيرعووا عن ذلك.
﴿ومنهم﴾ أي : اليهود ﴿أمّيون﴾ أي : عوام جهلة ﴿لا يعلمون الكتاب﴾ أي : لا يعرفون التوراة أو الكتابة فيطالعوا التوراة ويتحققوا ما، فيها، وقوله تعالى :﴿إلا أمانيّ﴾ استثناء منقطع، أي : لكن أكاذيب تلقوها من رؤسائهم فاعتمدوها ﴿وإن هم﴾ أي : ما هم ﴿إلا﴾ قوم ﴿يظنون﴾ ظناً لا علم لهم وقد يطلق الظنّ بإزاء العلم على كل رأي واعتقاد من غير قاطع وإن جزم به صاحبه كاعتقاد المقلد وكالزائغ عن الحق بسبب شبهة قامت عنده.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٨٢
٨٣
﴿فويل﴾ أي : واد في جهنم كما رواه الترمذيّ، قال سعيد بن المسيب : لو سيرت فيه جبال الدنيا لانماعت من شدّة حرّه، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : هو شدّة العذاب ﴿للذين يكتبون الكتاب﴾ أي : المحرف من التأويلات الزائغة، وقوله تعالى :﴿بأيديهم﴾ تأكيد كقولك : كتبته بيميني ﴿ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً﴾ من الدنيا وهم اليهود غيروا صفة النبيّ ﷺ في التوراة : وآية الرجم وغيرها وكتبوها على خلاف ما أنزل الله فكانت صفته ﷺ في التوراة : أكحل العينين، ربعة، جعد الشعر، حسن الوجه، فكتبوها طويلاً : أزرق العينين، سبط الشعر، وغيروا آية الرجم بالجلد والتحميم أي : تسويد الوجه ﴿فويل لهم مما كتبت أيديهم﴾ من المحرف ﴿وويل لهم مما يكسبون﴾ من الرشا.
﴿وقالوا﴾ أي : اليهود لما وعدهم النبيّ ﷺ النار ﴿لن تمسنا﴾ أي : تصيبنا ﴿النار إلا أياماً معدودة﴾ محصورة قليلة. روي أنّ بعضهم قالوا : نعذب بعدد أيام عبادتنا العجل أربعين يوماً وبعضهم قالوا : مدّة الدنيا سبعة آلاف سنة وإنما نعذب مكان كل ألف سنة يوماً واحداً ثم ينقطع العذاب بعد سبعة أيام.


الصفحة التالية
Icon