روي أنه عليه الصلاة والسلام أخذ بيد عمر فقال :"هذا مقام إبراهيم فقال عمر : أفلا نتخذه مصلى ؟
فقال : لم أومر بذلك فلم تغب الشمس حتى نزلت" وعن ابن عباس أنه قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه : وافقت الله تعالى في ثلاث، ووافقني ربي في ثلاث فقلت : يا رسول الله لو اتخذت مقام إبراهيم مصلى فأنزل الله تعالى هذه الآية وقلت : يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر لو أمرت أمّهات المؤمنين بالحجاب فأنزل الله تعالى آية الحجاب وقال : وبلغني معاتبة النبيّ ﷺ بعض نسائه فدخلت عليهنّ وقلت لهنّ : إن انتهيتن أو ليبدلنّ الله تعالى لرسوله خيراً منكنّ فأنزل الله تعالى ﴿عسى ربه إن طلقكنّ أن يبدله أزواجاً خيراً منكنّ﴾ (التحريم، ٥).
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٠٤
وفي الخبر الركن والمقام يا قوتتان من يواقيت الجنة ولولا ما مسهما من أيدي المشركين لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب" وقيل : المراد باتخذوا إلخ.. الأمر بركعتي الطواف لما روى جابر "أنه عليه الصلاة والسلام لما فرغ من طوافه عمد إلى مقام إبراهيم فصلى خلفه ركعتين وقرأ
١٠٤
واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى"، وللشافعيّ في وجوبهما قولان أرجحهما عدم الوجوب وقيل : مقام إبراهيم الحرم كله وقيل : مواقف الحج واتخاذها مصلى أن يدعى فيها ويتقرّب إلى الله تعالى.
تنبيه : من في ﴿من مقام إبراهيم﴾ للتبعيض.
وقيل : بمعنى في وقيل زائدة وقرأ نافع وابن عامر واتخذوا بفتح الخاء بلفظ الماضي عطفاً على جعلنا أي : واتخذ الناس من مقام إبراهيم مصلى والباقون بكسرها بلفظ الأمر ﴿وعهدنا﴾ أي : أمرنا ﴿إلى إبراهيم وإسمعيل﴾ قيل : سمي به ؛ لأنّ إبراهيم كان يدعو الله أن يرزقه ولداً ويقول : اسمع يا إيل، وإيل هو الله فلما رزق الولد سماه به ﴿أن﴾ أي : بأن ﴿طهرا بيتي﴾ من الأوثان والأنجاس وما لا يليق به أو أخلصاه ﴿للطائفين﴾ حوله ﴿والعاكفين﴾ المقيمين عنده أو المعتكفين فيه ﴿والركع السجود﴾ جمع راكع وساجد وهم المصلون وقرأ نافع وهشام وحفص بيتي بفتح الياء والباقون بالسكون.
﴿و﴾ اذكر ﴿إذ قال إبراهيم رب اجعل﴾ هذا أي مكة أو الحرام ﴿بلداً آمناً﴾ أي : ذا آمن كقوله تعالى :﴿في عيشة راضية﴾ (القارعة، ٧) أو آمناً أهله كقول القائل ليل نائم ﴿وارزق أهله من الثمرات﴾ إنما دعا بذلك ؛ لأنه كان بواد غير ذي زرع. وفي القصص أنّ الطائف كانت من مدائن الشام بأردن فلما دعا إبراهيم هذا الدعاء أمر الله تعالى جبريل عليه الصلاة والسلام حتى قطعها من أصلها وأدارها حول البيت سبعاً ثم وضعها موضعها الآن فمنها أكثر ثمرات مكة.
وقوله تعالى :﴿من آمن منهم با واليوم الآخر﴾ بدل من أهله قاس إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه الرزق على الإمامة حيث قيده بالمؤمن كما قيدت به ﴿قال﴾ تعالى :﴿و﴾ أرزق ﴿من كفر﴾ لأنّ الرزق رحمة دنيوية تعم المؤمن والكافر بخلاف الإمامة والتقدم في الدين ﴿فأمتعه﴾ في الدنيا بالرزق.
وقرأ ابن عامر بسكون الميم وتخفيف التاء والباقون بفتح الميم وتشديد التاء، وأمّا الهمزة بعد الألف فالجميع اتفقوا على ضمها ﴿قليلاً﴾ أي : مدّة حياته والكفر وإن لم يكن يسبب التمتع لكنه يسبب تقليله بأن يجعله مقصوراً بحظوظ الدنيا غير متوصل به إلى نيل الثواب ولذلك عطف عليه ﴿ثم أضطرّه﴾ أي : ألجئه في الآخرة ﴿إلى عذاب النار﴾ فلا يجد عنها محيصاً ﴿وبئس المصير﴾ أي : المرجع والمخصوص بالذمّ محذوف وهو العذاب قال مجاهد : وجد عند المقام أنا الله ذو بكة أي : صاحبها صنعتها يوم خلقت الشمس والقمر وحرمتها يوم خلقت السموات والأرض وحففتها بسبعة أملاك حنفاء يأتيها رزقها مباركة لأهلها في اللحم والماء.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٠٤
و﴾ اذكر ﴿إذ يرفع إبراهيم القواعد﴾ أي : الأسس والجدر ﴿من البيت﴾ حكاية حال ماضية كأنه قال إذ كان يرفع.
فإن قلت : وأي فرق بين العبارتين ؟
أجيب : بأنّ في إبهام القواعد وتبيينها بعد الإبهام ما ليس في إضافتها لما في الإيضاح بعد الإبهام من تفخيم شأن المبين، وقوله تعالى :﴿وإسمعيل﴾ عطف على إبراهيم يقولان يا ﴿ربنا تقبل منا﴾ بناءنا ﴿إنك أنت السميع﴾ للقول فتسمع دعاءنا ﴿العليم﴾
١٠٥
بالفعل فتعلم بنياتنا.
روت الرواة أنّ الله تعالى خلق موضع البيت قبل الأرض بألفي عام فكانت زبدة بيضاء على الماء فدحيت الأرض من تحتها فلما أهبط الله تعالى آدم إلى الأرض استوحش فشكا إلى الله تعالى فأنزل الله تعالى البيت المعمور من ياقوتة من يواقيت الجنة له بابان من زمرد أخضر باب شرقي وباب غربي فوضعه على موضع البيت وقال : يا آدم إني أهبطت لك بيتاً تطوف به كما يطاف حول عرشي وتصلي عنده كما يصلى حول عرشي وأنزل الحجر الأسود وكان أبيض فاسود من لمس الحيض في الجاهلية فتوجه آدم من أرض الهند إلى مكة ماشياً وقيض الله تعالى له ملكاً يدله على البيت فحج البيت وأقام المناسك.