قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : كل الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة : نوح وهود وشعيب وصالح ولوط وإبراهيم وإسمعيل وإسحق ويعقوب ومحمد ﷺ وعليهم أجمعين ﴿يتلو﴾ أي : يقرأ ﴿عليهم آياتك﴾ القرآن ويبلغهم ما يوحى إليه من دلائل التوحيد والنبوّة ﴿ويعلمهم الكتاب﴾ أي : القرآن ﴿والحكمة﴾ أي : ما تكمل به نفوسهم من المعارف والأحكام، وقال ابن قتيبة : هي العلم والعمل ولا يكون الرجل حكيماً حتى يجمعهما.
وقال أبو بكر بن دريد : كل كلمة وعظتك أو دعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قبيح فهي حكمة، وقيل : هي فهم القرآن، وقيل : الفقه في الدين، وقيل : السنة ﴿ويزكيهم﴾ أي : يطهرهم من الشرك وقيل : يشهد لهم يوم القيامة بالعدالة إذ اشهدوا هم للأنبياء بالتبليغ والتعديل ﴿إنك أنت العزيز﴾ الذي لا يقهر ولا يغلب على ما يريد، وقيل : هو الذي لا يوجد مثله وقيل : هو المنيع الذي لا تناله الأيدي ولا يصل إليه شيء ﴿الحكيم﴾ في صنعه.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٠٧
ومن﴾ أي : لا ﴿يرغب﴾ أحد ﴿عن ملة إبراهيم﴾ فيتركها لظهورها ووضوحها ﴿إلا من سفه نفسه﴾ أي : جهل أنها مخلوقة لله تعالى يجب عليه عبادته، وذلك أنّ عبد الله بن سلام دعا ابني أخيه سلمة ومهاجر إلى الإسلام فقال لهما : قد علمتما أنّ الله عز وجل قال في التوراة : إني باعث من ولد إسمعيل نبياً اسمه أحمد، فمن آمن به فقد اهتدى ومن لم يؤمن به فهو ملعون، فأسلم سلمة وأبى مهاجر أن يسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية قاله البيضاوي وغيره.
قال الأسيوطي : لم أقف على ذلك في شيء من كتب الحديث ولا التفاسير المسندة والمثبت مقدّم على غيره وقد جاء : من عرف نفسه فقد عرف ربه. وفي الأخبار أنّ الله أوحى إلى داود عليه
١٠٧
الصلاة والسلام : اعرف نفسك واعرفني فقال : يا رب كيف أعرف نفسي وأعرفك ؟
فأوحى الله تعالى إليه : اعرف نفسك بالضعف والعجز والفناء واعرفني بالقوّة والبقاء، وهذا معنى من عرف نفسه فقد عرف ربه ﴿ولقد اصطفيناه﴾ أي : اخترناه ﴿في الدنيا﴾ بالرسالة والخلة ﴿وإنه في الآخرة لمن الصالحين﴾ الذين لهم الدرجات العلا وفي هذا حجة وبيان لخطأ من رغب عن ملته ؛ لأنّ من جمع الكرامة عند الله في الدارين وكان مشهوداً له بالاستقامة والصلاح يوم القيامة كان حقيقاً بالاتباع لا يرغب عنه إلا سفيه أو متسفه أذل نفسه بالجهل والإعراض عن النظر.
تنبيه : قال الحسين بن الفضل : في الآية تقديم وتأخير تقديره ولقد اصطفيناه في الدنيا والآخرة وإنه لمن الصالحين.
وقوله تعالى :﴿إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين﴾ إمّا ظرف لاصطفيناه أي : اخترناه في ذلك الوقت، وإمّا منصوب بإضمار أذكر كأنه قال : اذكر ذلك الوقت ليعلم أنه المصطفى الصالح المستحق للإمامة والتقدّم وأنه نال ما نال بالمبادرة إلى الإذعان وإخلاص السر حين دعاه ربه فكأنه قال له كما قال عطاء : أسلم نفسك إلى الله عز وجل وفوّض أمرك إليه قال : أسلمت أي : فوّضت، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : وقد حقق ذلك حيث لم يستعن بأحد من الملائكة حين ألقي في النار.
﴿ووصى بها﴾ أي : بالملة المتقدّم ذكرها أو بأسلمت على تأويل الكلمة أو الجملة وقيل : بكلمة الإخلاص وهي لا إله إلا الله، وقرأ نافع وابن عامر وأوصى بسكون الواو الثانية وهمزة مفتوحة بين الواوين، والباقون بواوين مفتوحتين ولا همزة بينهما وهذا أبلغ قال الزجاج : لأنّ أوصى يصدق بالمرة الواحدة، ووصى لا يكون إلا لمرّات كثيرة، وأمال ورش بينَ بينْ، وحمزة والكسائي محضة، والباقون بالفتح.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٠٧
وقوله تعالى :﴿إبراهيم بنيه﴾ قال مقاتل : وهم أربعة : إسمعيل وإسحق ومدين ومدان، وقد ذكر غير مقاتل أنهم ثمانية وقيل : أربعة عشر ﴿و﴾ وصى بها أيضاً ﴿يعقوب﴾ بنيه وهم اثنا عشر : روبيل وشمعون ولاوا ويهوذا ويشنيوخور وزبويلون وودّان ويفتوني وكودا وأوشير وبنيامين ويوسف وسمي بذلك ؛ لأنه والعيص كانا توءمين فتقدّم عيص في الخروج من بطن أمّه وخرج يعقوب عقبه، وقوله تعالى :﴿يا بنيّ﴾ على إضمار القول عند البصريين متعلق بوصّى عند الكوفيين ﴿إنّ الله اصطفى لكم الدين﴾ أي : دين الإسلام الذي هو صفوة الأديان لقوله تعالى :﴿فلا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون﴾ نهى عن ترك الإسلام وأمر بالثبات عليه إلى مصادقة الموت، وعن الفضيل بن عياض أنه قال : إلا وأنتم مسلمون أي : محسنون بربكم الظن لما روى جابر رضي الله عنه أنه قال :"سمعت رسول الله ﷺ قبل موته بثلاثة أيام يقول :"لا يموتنّ أحد إلا وهو يحسن الظن بربه".
ولما قالت اليهود للنبيّ ﷺ ألست تعلم أنّ يعقوب يوم مات أوصى بنيه باليهودية نزل.
﴿أم كنتم شهداء﴾ جمع شهيد بمعنى الحاضر أي : ما كنتم حاضرين وقول الأسيوطي : لم أقف على ذلك فيه ما مرّ ﴿إذ حضر يعقوب الموت﴾ أي : حين احتضر وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو
١٠٨