﴿فاذكروني﴾ بالطاعة كالصلاة والتسبيح ﴿أذكركم﴾ قال ابن عباس : بمعونتي، وقال سعيد بن جبير : بمغفرتي وقيل : اذكروني في النعمة والرخاء أذكركم في الشدّة والبلاء كما قال تعالى :﴿فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون﴾ (الصافات، ١٤٤). وفي الحديث عن الله تعالى :"أنا عند ظنّ عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير من ملئه، وإن تقرب إليّ شبراً تقرّبت إليه ذراعاً، وإن تقرّب إليّ ذراعاً تقرّبت منه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة". وفي رواية أنّ رسول الله ﷺ قال : إنّ الله تعالى يقول : يا ابن آدم إن ذكرتني في نفسك ذكرتك في نفسي، وإن ذكرتني في ملأ ذكرتك في ملأ خير منه، وإن دنوت مني شبراً دنوت منك ذراعاً، وإن دنوت مني ذراعاً دنوت منك باعاً،
١١٩
وإن مشيت إليّ هرولت إليك، وإن سألتني أعطيتك، وإن لم تسألني غضبت عليك". وفي رواية أنّ رسول الله ﷺ قال :"يقول الله عزّ وجلّ : أنا مع عبدي ما ذكرني وتحرّكت بي شفتاه". وفي رواية : جاء أعرابيّ إلى النبيّ ﷺ فقال : يا رسول الله أيّ الأعمال أفضل ؟
قال :"أن تفارق الدنيا ولسانك رطب من ذكر الله". وقرأ ابن كثير بفتح الياء والباقون بالسكون وهم على مراتبهم في المدّ ﴿واشكروا لي﴾ نعمتي بالطاعة ﴿ولا تكفرون﴾ بجحد النعم وعصيان الأمر، فإن من أطاع الله فقد شكره، ومن عصاه فقد كفره.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ١١٨
يأيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر﴾
على الطاعة والبلاء وعلى المعاصي وحظوظ النفس ﴿والصلوة﴾ خصها بالذكر ؛ لأنها أم العبادات لاشتمالها على فعل القلب وغيره ومناجاة رب العالمين ﴿إن الله مع الصابرين﴾ بالنصر وإجابة الدعوة.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١١٨
هم ﴿أموات بل﴾ هم ﴿أحياء ولكن لا تشعرون﴾ أي : لا تعلمون كيف حالهم في حياتهم.
قال البيضاويّ : وهو تنبيه على أنّ حياتهم ليست بالجسد ولا من جنس ما يحس به من الحيوانات، وإنما هي أمر لا يدرك بالعقل بل بالوحي اه.
وهذا ما عليه أكثر المفسرين، قال ابن عاد : ويحتمل أنّ حياتهم بالجسد وإن لم تشاهد وأيد بأن حياة الروح ثابتة لجميع الأموات بالاتفاق، فلو لم تكن حياة الشهيد بالجسد لاستوى هو وغيره ولم تكن له مزية اه.
وقد يرد بأنّ الشهداء فضلوا على غيرهم بأنهم يرزقون من مطاعم الجنة ومآكلها وغيرهم من المؤمنين منعمون بما دون ذلك. وفي الحديث :"أرواحهم في حواصل طيور خضر تسرح في أنهار الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل تحت العرش" وعن الحسن : أن الشهداء أحياء عند الله تعرض أرزاقهم على أرواحهم، فيصل إليهم الروح أي : الاستراحة أي : التلذذ والتنعم والفرح كما تعرض النار على أرواح آل فرعون غدّواً وعشياً، فيصل إليهم الوجع والغم. وعلى هذا فتخصيص الشهداء لاختصاصهم بالقرب من الله ومزيد السرور والكرامة والأرواح جواهر قائمة بأنفسها تبقى بعد الموت دراكة كما عليه جمهور الصحابة والتابعين ونطقت به الآيات والسنن.
﴿ولنبلونكم﴾ أي : ولنختبرنكم يا أمّة محمد ﷺ واللام لجواب القسم تقديره والله لنبلونكم والابتلاء إظهار المطيع من العاصي لا ليعلم شيئاً لم يكن عالماً به ﴿بشيء﴾ أي : بقليل ﴿من الخوف﴾ أي : خوف العدوّ ﴿والجوع﴾ أي : القحط وإنما قلله بالنسبة لما وقاهم عنه فيخفف عنهم ويريهم أنّ رحمته لا تفارقهم أو بالنسبة إلى ما يصيب به معانديهم في الآخرة وإنما أخبرهم قبل وقوعه ليوطنوا عليه نفوسهم ﴿ونقص من الأموال﴾ بالخسران والهلاك ﴿والأنفس﴾ بالقتل والموت وقيل : بالمرض والشيب ﴿والثمرات﴾ بالجوائح.
١٢٠
وعن الشافعي رضي الله تعالى عنه : الخوف خوف الله، والجوع صوم رمضان، ومن الثمرات موت الأولاد. وعن أبي سنان قال : دفنت ولدي سناناً وأبو طلحة الخولاني على شفير القبر، فلما أردت الخروج أخذ بيدي فأخرجني، فقال : ألا أبشرك ؟
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٢٠
حدّثني الضحاك بن عروب عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله ﷺ "إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته : أقبضتم ولد عبدي ؟
فيقولون : نعم فيقول أقبضتم ثمرة قلبه ؟
فيقولون : نعم فيقول الله تعالى : ماذا قال عبدي ؟
فيقولون : حمدك واسترجع، فيقول الله تعالى : ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد". وقوله تعالى :﴿وبشر الصابرين﴾ أي : على ما يصيبهم من المكروه عطف كما قال التفتازاني على ولنبلونكم عطف المضمون على المضمون أي : الابتلاء حاصل لكم وكذا البشارة لكن لمن صبر، ثم بينهم بقوله :


الصفحة التالية
Icon