﴿الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا ﴾ عبيداً وملكاً ﴿وإنا إليه راجعون﴾ في الآخرة والمصيبة تعمّ ما يصيب الانسان من مكروه لقوله ﷺ "كل شيء يؤذي المؤمن فهو له مصيبة" وعن أمّ سلمة زوج النبيّ ﷺ ورضي عنها أنها قالت : سمعت رسول الله ﷺ يقول :"ما من مصيبة تصيب عبداً فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون اللهمّ اؤجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها إلا آجره الله تعالى في مصيبته وأخلف عليه خيراً منها" قالت : فلما توفي أبو سلمة استرجعت الله لي فقلت : اللهم اؤجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها قالت : فأخلف لي رسول الله ﷺ، وفي رواية :"من استرجع عند المصيبة جبر الله تعالى مصيبته وأحسن عقباه وجعل له خلفاً صالحاً يرضاه"، وقال سعيد بن جبير : ما أعِطى أحد ما أعطيت هذه الأمة يعني الاسترجاع ولو أعطيها أحد لأعطى يعقوب في قصة فقدِ يوسف ألا تسمع إلى قوله :﴿يا أسفاً على يوسف﴾ (يوسف، ٨٤) وليس الصبر بالإسترجاع باللسان بل باللسان مع القلب بأن يتصوّر ما خلق لأجله، فإنه راجع إلى ربه ويتذكر نعم الله عليه، فيرى ما أبقى عليه أضعاف ما استردّه منه، فيهوّن على نفسه ويستسلم لربه، والمبشر به محذوف دلّ عليه.
﴿أولئك عليهم صلوات﴾ أي : مغفرة ﴿من ربهم ورحمة﴾ أي : لطف وإحسان والصلاة في الأصل من الآدمي أي : ومن الجنّ تضرّع ودعاء، ومن الملائكة إستغفار، ومن الله تعالى رحمة مقرونة بتعظيم وجمع الصلاة للتنبيه على كثرتها كالتثنية في لبيك بمعنى لا انقطاع لمغفرته ﴿وأولئك هم المهتدون﴾ إلى الصواب حيث استرجعوا وسلّموا لقضاء الله تعالى.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٢٠
قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه : نِعم العدلان ونعمت العلاوة، والعدلان الصلاة والرحمة، والعلاوة : الهداية، وقد ورد أخبار في ثواب أهل البلاء وأجر الصابرين منها أنه ﷺ قال :"من يرد الله به خيراً يصب منه" ومنها أنه صلى الله عليه وسلم
١٢١
قال :"ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا همّ ولا غم ولا حزن ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه" ومنها : أن امرأة جاءت إلى النبيّ ﷺ وبها لمم، فقالت : يا رسول الله ادع الله تعالى أن يشفيني فقال :"إن شئت دعوت الله أن يشفيك، وإن شئت فاصبري ولا حساب عليك قالت : بل أصبر ولا حساب عليّ". ومنها :"أنه ﷺ سئل عن أشدّ الناس بلاءً قال :"الأنبياء والأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلباً ابتلى على قدر ذلك، وإن كان في دينه رقة هوّن عليه، فما زال كذلك حتى يمشي على الأرض ما له ذنب" ومنها : أنه ﷺ قال :"إن أعظم الجزاء مع عظم البلاء، وإنّ الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط". ومنها : أنه ﷺ قال :"لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وماله وولده حتى يلقى الله وما عليه من خطيئة". ومنها : أنه ﷺ قال :"مثل المؤمن كمثل الزرع لا يزال الريح يثنيه ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز لا تهتز حتى تستحصد". ومنها : أنه ﷺ قال :"عجب للمؤمن إن أصابه خير حمد الله وشكر، وإن أصابته مصيبة حمد الله وصبر، فالمؤمن يؤجر في كل أمره".
﴿إن الصفا والمروة﴾ هما على جبلين بمكة في طرفي المسعى، قال القرطبيّ : وذكر الصفا ؛ لأن آدم وقف عليه، وأنث المروة ؛ لأنّ حوّاء وقفت عليها ﴿من شعائر الله﴾ أي : أعلام دينه جمع شعيرة وهي العلامة أي : من أعلام مناسكه ومتعبداته ﴿فمن حج البيت أو اعتمر﴾ أي : تلبس بالحج أو العمرة، والحج لغة : القصد. والاعتمار : الزيارة، فغلبا شرعاً على قصد البيت وزيارته على الوجهين المعروفين ﴿فلا جناح﴾ أي : لا إثم ﴿عليه أن يطوّف﴾ فيه إدغام التاء في الأصل في الطاء ﴿بهما﴾ أي : بأن يسعى بينهما سبعاً.
فإن قيل : كيف أنهما من شعائر الله، ثم قيل لا جناح عليه أن يطوف بهما ؟
أجيب : بأنه كان على الصفا آساف، وعلى المروة نائلة وهما صنمان، يروى أنهما كانا رجلاً وامرأة زنيا في الكعبة فمسخا حجرين، فلما طالت المدّة عبدا من دون الله، فكان أهل الجاهلية إذا سعوا مسخوهما، فلما جاء الإسلام وكسرت الأوثان كره المسلمون الطواف بينهما لأجل فعل الجاهلية، فأذن الله تعالى فيه وأخبر أنه من شعائر الله، والإجماع على أنّ السعي بين الصفا والمروة مشروع في الحج والعمرة، وإنما الخلاف في وجوبه، فعن أحمد أنه سنة وبه قال أنس وابن عباس لقوله تعالى :﴿فلا جناح عليه﴾ فإنه يفهم منه التخيير.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٢٠
قال البيضاويّ وهو ضعيف ؛ لأنّ نفي الجناح يدل على الجواز الداخل في معنى الوجوب فلا
١٢٢