﴿قالوا﴾، أي : أخوة يوسف عليه السلام ﴿تالله﴾ التاء حرف قسم، وهي عند الجمهور بدل من واو القسم، والواو بدل من الباء، فهي فرع الفرع، فلذلك ضعفت عن التصريف في الأسماء،
١٤٠
فلا تدخل إلا على الجلالة الكريمة أو الرب مضافاً للكعبة أو الرحمن في قول ضعيف، ولو قلت : تالرحمن لم يجز، أي : والله ﴿لقد علمتم﴾ أي : بما جرّبتم من أمانتنا قبل هذا في كون مجيئنا ﴿ما جئنا﴾ وأكدوا النفي باللام فقالوا ﴿لنفسد﴾، أي : نوقع الفساد ﴿في الأرض﴾، أي : أرض مصر ﴿و﴾ لقد علمتم ﴿ما كنا﴾، أي : بوجه من الوجوه ﴿سارقين﴾، أي : موصوفين بهذا الوصف قطعاً. فإن قيل : من أين علموا ذلك ؟
أجيب : بأنّ ذلك يعلم مما رأوا من أحوالهم، وقيل : لأنهم ردّوا البضاعة التي جعلت في رحالهم، قالوا : فلوا كنا سارقين ما رددناها، وقيل : قالوا ذلك ؛ لأنهم كانوا معروفين بأنهم لا يتناولون ما ليس لهم، وكانوا إذا دخلوا مصر كمموا أفواه دوابهم كي لا تتناول شيئاً من حروث الناس.
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٣٩
قالوا﴾
، أي : أصحاب يوسف عليه السلام المنادي ومن معه ﴿فما جزاؤه﴾، أي : السارق، وقيل : الصواع ﴿إن كنتم كاذبين﴾في قولكم : ما كنا سارقين ووجد فيكم، والجزاء مقابلة العمل بما يستحق من خير وشر.
﴿قالوا﴾ وثوقاً منهم بالبراءة وإخباراً بالحكم عندهم ﴿جزاؤه من وجد في رحله﴾ ولتحققهم البراءة علقوا الحكم على مجرد الوجدان لا السرقة، ثم أكدوا ذلك بقولهم :﴿فهو جزاؤه﴾ قال ابن عباس : كان ذلك الزمان كل سارق بسرقته فلذلك قالوا ذلك، أي : فالسارق جزاؤه أن يسلم بسرقته إلى المسروق منه فيسترق سنّة، وكان ذلك سنّة آل يعقوب في حكم السارق وكان حكم ملك مصر أن يضرب السارق و يغرم ضعفي قيمة المسروق، فأراد يوسف أن يحبس أخاه عنده فرد الحكم إليهم ليتمكن من حبسه عنده على حكمهم ﴿كذلك﴾، أي : الجزاء ﴿نجزي الظالمين﴾ بالسرقة، قال أصحاب يوسف : فلا بد من تفتيش رحالكم، فردوهم إلى يوسف عليه السلام فأمر بتفتيشها بين يديه.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٣٩
١٤١
﴿فبدأ بأوعيتهم﴾ ففتشها ﴿قبل وعاء أخيه﴾ لئلا يتهم فلم يجد فيها شيئاً ﴿ثم﴾، أي : بعد تفتيش أوعيتهم والتأني في ذلك ﴿استخرجها﴾، أي : السقاية أو الصاع ؛ لأنه يذكر ويؤنث ﴿من وعاء أخيه﴾ فلما خرج الصاع من وعاء بنيامين نكس أخوته رؤوسهم من الحياء، وأقبلوا على بنيامين يلومونه ويقولون : له إيش الذي صنعت فضحتنا وسوّدت وجوهنا يا ابن راحيل مازال لنا منكم بلاء حتى أخذت هذا الصاع. فقال بنيامين : بل بنوا راحيل مازال لهم منكم بلاء ذهبتم بأخي فاهلكتموه في البرية إنّ الذي وضع هذا الصاع في رحلي هو الذي وضع البضاعة في رحالكم، فأخذ بنيامين رقيقاً.
وقيل : إنّ المنادي وأصحابه هم الذين تولوا تفتيش رحالهم وهم الذين استخرجوا الصاع من رحله فأخذوه برقبته وردّوه إلى يوسف عليه السلام. تنبيه : هاهنا همزتان مختلفتان من كلمتين قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بإبدال الثانية ياء، والباقون بالتحقيق. ﴿كذلك﴾، أي : مثل ذلك الكيد ﴿كدنا ليوسف﴾ خاصة بأنّ علمناه إياه جزاء لهم على كيدهم بيوسف عليه السلام في الابتداء، وقد قال يعقوب ليوسف عليهما السلام :﴿فيكيدوا لك كيداً﴾ (يوسف، ٥) والكيد من الخلق الحيلة، ومن الله تعالى التدبير بالحق، فالمراد من هذا الكيد هو أنّ الله تعالى ألقى في قلب إخوته بأن حكموا أنّ جزاء السارق هو أن يسترق لا جرم لما ظهر الصاع في رحله حكموا عليه بالاسترقاق، وصار ذلك سبباً لتمكن يوسف عليه السلام من إمساك أخيه عند نفسه. ولما كان الكيد يشعر بالحيلة والخديعة، وهو في حق الله تعالى محال حمل على الغاية، ونهايته هنا إلقاء الإنسان من حيث لا يشعر في أمر مكروه لا سبيل له إلى دفعه، فالكيد في حق الله تعالى محال على هذا المعنى، وقيل : المراد بالكيد هاهنا إنّ أخوة يوسف سعوا في إبطال أمره، والله تعالى نصره وقوّاه وأعلى أمره وقوله تعالى :﴿ما كان﴾، أي : يوسف ﴿ليأخذ أخاه في دين الملك﴾، أي : حكمه بيان للكيد ؛ لأنّ جزاءه كان عنده الضرب وتغريم مثلي ما أخذ لا أنه يستبعد، وقوله تعالى :﴿إلا أن يشاء الله﴾ فيه وجهان :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٤١
أحدهما : أنه استثناء منقطع تقديره : ولكن بمشيئة الله أخذه في دين الملك، وهو دين آل يعقوب عليه السلام إنّ الاسترقاق جزاء السارق.


الصفحة التالية
Icon