ورابعها : قال السدي : لما أخبره بنوه بسيرة الملك وكمال حاله وأقواله وأفعاله طمع في أن يكون هو يوسف وقال : بعيد أن يظهر في الكفار مثله، ثم تلطف ببنيه وقال لهم :﴿ولا تيأسوا﴾، أي : تقنطوا ﴿من روح الله﴾ قال ابن عباس : من رحمة الله. وقال قتادة : من فضل الله. وقال ابن زيد : من فرج الله. ﴿إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون﴾، أي : الغريقون في الكفر، قال ابن عباس : إنّ المؤمن من الله على خير يرجوه في البلاء ويحمده على الرخاء، والكافر على الضدّ من ذلك، فإنّ اليأس من رحمة الله لا يحصل إلا إذا اعتقد الإنسان أنّ إله العالم غير قادر على الكمال، أو غير عالم بجميع المعلومات، أو ليس بكريم بل هو بخيل، وكل واحد من هذه الثلاثة يوجب الكفر، وإذا كان اليأس لا يحصل إلا عند حصول أحد هذه الثلاثة، وكل واحد منها كفر ثبت أنّ اليأس لا يحصل إلا لمن كان كافراً.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٤٥
وقرأ البزي بعد التاء من تيأسوا وبعد الياء من لا ييأس بألف وبعدها ياء مفتوحة بخلاف عنه، والباقون بهمزة مفتوحة قبلها ياء ساكنة. ولما قال يعقوب عليه السلام لبنيه ذلك قبلوا منه هذه الوصية وعادوا إلى مصر.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٤٥
وقرأ البزي بعد التاء من تيأسوا وبعد الياء من لا ييأس بألف وبعدها ياء مفتوحة بخلاف عنه، والباقون بهمزة مفتوحة قبلها ياء ساكنة. ولما قال يعقوب عليه السلام لبنيه ذلك قبلوا منه هذه الوصية وعادوا إلى مصر.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٤٥
﴿فلما دخلوا عليه﴾، أي : على يوسف عليه السلام ﴿قالوا يا أيها العزيز﴾ وكان العزيز لقباً لملك مصر يومئذ ﴿مسنا وأهلنا﴾، أي : من خلفناهم وراءنا ﴿الضر﴾، أي : لابسنا ملابسة نحسها ﴿وجئنا ببضاعة﴾ وقالوا ﴿مزجاة﴾ إمّا لنقصها أو لرداءتها أو لهما جميعاً. وقال الحسن : البضاعة
١٤٨
المزجاة القليلة، واختلفوا في تلك الرداءة. فقال ابن عباس : كانت دراهم رديئة لا تقبل في ثمن الطعام، وقيل : متاع الأعراب الصوف والسمن، وقيل : الأقط، وقيل : النعال والأدم وقيل : إنّ دراهم مصر كان ينقش فيها صورة يوسف عليه السلام، والدراهم التي جاؤوا بها ما كان فيها ذلك فما كانت مقبولة عند الناس، ثم سببوا عن هذا الاعتذار ؛ لأنه أقرب إلى رحمة أهل الكرم قولهم :﴿فأوف لنا الكيل﴾، أي : شفقة علينا بسبب ضعفنا ﴿وتصدّق﴾، أي : تفضل ﴿علينا﴾ زيادة على الوفاء كما عودتنا بفضل ترجو ثوابه، ولما رأوا أفعاله تدل على تمسكه بدين الله تعالى عللوا ذلك بقولهم :﴿إنّ الله﴾، أي : الذي له الكمال كله ﴿يجزي المتصدّقين﴾، أي : وإن كانت على غني قوي، فكيف إذا كانت على أهل الحاجة والضعف.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٤٨
فائدة : سئل سفيان بن عيينة هل حرمت الصدقة على نبي من الأنبياء سوى نبينا عليه وعليهم الصلاة والسلام ؟
قال سفيان : ألم تسمع قوله :﴿وتصدّق علينا..﴾ الآية يريد أن الصدقة كانت حلالاً لهم ولأبيهم. وروي أنّ الحسن سمع رجلاً يقول : اللهم تصدّق عليّ قال : إنّ الله لا يتصدّق وإنما يتصدّق من يبغي الثواب قل : اللهم أعطني وتفضل عليّ.
فإن قيل : إذا كان أبوهم أمرهم أن يتحسسوا من يوسف وأخيه فلم عادوا إلى الشكوى ؟
أجيب : بأن المتحسس يتوصل إلى مطلوبه بجميع الطرق والاعتراف بالعجز، وضموا رقة الحال وقلة المال وشدّة الحاجة، وذلك مما يرقق القلب فقالوا : نجربه في هذه الأمور، فإن رق قلبه لنا ذكرنا له المقصود وإلا سكتنا، فقدّموا هذه المقدّمة قال أبو إسحاق : ذكر لي أنهم لما كلموه بهذا الكلام أدركته الرقة على إخوته فارفض دمعه فباح بالذي كان يكتم فلهذا.
﴿قال﴾ لهم ﴿هل علمتم﴾ مقرّراً لهم بعد أن استأنسوا به، قال البقاعي : والظاهر أن هذا كان بغير ترجمان ﴿ما﴾، أي : قبح الذي ﴿فعلتم بيوسف﴾، أي : أخيكم الذي حلتم بينه وبين أبيه ﴿وأخيه﴾ في جعلكم أباه فريداً منه ذليلاً بينكم، ثم في قولكم له لما وجد الصاع في رحله : لا يزال يأتينا البلاء من قبلكم يا بني راحيل، وإنما قال لهم ذلك نصحاً لهم وتحريضاً على التوبة وشفقة عليهم لما رأى من عجزهم وتمسكنهم لا معاتبة وتثريباً، وقيل : أعطوه كتاب يعقوب عليه السلام في تخليص بنيامين، وذكروا له ما هو فيه من الحزن على فقد يوسف وأخيه، فقال لهم ذلك وقوله ﴿إذ أنتم جاهلون﴾، أي : فاعلون فعلهم ؛ أو لأنهم كانوا حينئذ صبياناً طياشين تلويحاً إلى معرفته، فقد روي أنه لما قال هذا تبسم وكان في تبسمه أمر من الحسن لا يجهله منه من رآه ولو مرّة واحدة فعرفوه بذلك فلذلك.