تنبيه : قوله تعالى :﴿عنده﴾ يجوز أن يكون مجرور المحل صفة لشيء أو مرفوعه صفة لكل أو منصوبه ظرفاً لقوله :﴿بمقدار﴾ أو ظرفاً للاستقرار الذي تعلق به الجار لوقوعه خبراً.
١٦٧
﴿عالم الغيب﴾ وهو ما غاب عن كل مخلوق ﴿والشهادة﴾ وهو ما شاهدوه، وقيل : الغيب هو المعدوم والشهادة هو الموجود. وقيل : الغيب ما غاب عن الحس، والشهادة ما حضر في الحس ﴿الكبير﴾، أي : العظيم ﴿المتعال﴾ عن خلقه بالقهر المنزه عن صفات النقص فهو تعالى موصوف بالعلم الكامل والقدرة التامّة. وقرأ ابن كثير في الوقف والوصل بياء بعد اللام، والباقون بغير ياء وقفاً ووصلاً. ولما كان علمه تعالى شاملاً لجميع الأشياء قال تعالى :
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٦٦
سواء منكم﴾، أي : في علمه تعالى ﴿من أسرّ القول﴾، أي : أخفى معناه في نفسه ﴿ومن جهر به﴾، أي : أظهره فقد استوى في علمه تعالى المسرّ بالقول والجاهر به ﴿ومن هو مستخف﴾، أي : مستتر ﴿بالليل﴾، أي : بظلامه ﴿وسارب﴾، أي : ظاهر بذهابه في سربه ﴿بالنهار﴾ والسرب : بفتح السين وسكون الراء الطريق، و قال ابن عباس : سواء ما أضمرته القلوب و أظهرته الألسنة، و قال مجاهد : سواء من يقدم على القبائح في ظلمات الليل، ومن يأتي بها في النهار الظاهر على سبيل التواري والضمير في.
﴿له﴾ يعود إلى من في قوله ﴿سواء منكم من أسّر القول ومن جهر به و من هومستخف بالليل﴾ أو للإنسان ﴿معقبات﴾، أي : ملائكة تعقبه، و الذي عليه الجمهور أنّ المراد بالملائكة الحفظة، وإنما صح وصفهم بالمعقبات إما لأجل أن ملائكة الليل تعقب ملائكة النهار، وبالعكس وإما لأجل أنهم يتعقبون أعمال العباد و يبتغونها بالحفظ والكتب وكل من عمل عملاً، ثم عاد إليه فقد عقب، فعلى هذا المراد من المعقبات ملائكة الليل و النهار، روي عن عثمان أنه قال يا رسول الله أخبرني عن العبد كم معه من ملك فقال ﷺ "ملك عن يمينك للحسنات وهو أمير على الذي على الشمال فإذا عملت حسنة كتبت عشراً وإذا عملت سيئة قال الذي على الشمال لصاحب اليمين : اكتب قال : لا لعله أن يتوب أو يستغفر فيستأذنه ثلاث مرات فإذا قال ثلاثاً قال اكتب أراحنا اللّه منه. فبئس القرين ما أقل مراقبته للّه و استحيائه منا فهو قوله تعالى ﴿له معقبات﴾ ﴿من بين يديه﴾، أي : قدّامه ﴿ومن خلفه﴾، أي : ورائه، وملك قابض على ناصيتك فإذا تواضعت لربك رفعك، وإن تجبرت قصمك وملكان على شفتيك يحفظان عليك الصلاة، وملك على فيك، لا يدع أن تدخل الحية في فيك وملكان على عينيك فهذه عشرة أملاك على كل أدمي" ملائكة بالليل وملائكة بالنهار فهم عشرون ملكاً على كل آدمي.
وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه أن رسول اللّه ﷺ قال :"يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم الله تعالى وهو أعلم بكم : كيف تركتم عبادي ؟
فيقولون : تركناهم وهم يصلون". وقال مجاهد : ما من عبد إلا وله ملك موكل يحفظه من الجن والأنس والهوام في نومه ويقظته، فإن قيل : الملائكة ذكور فلم ذكروا في جمع الإناث وهو المعقبات ؟
أجيب : بجوابين : الأول : قال الفراء : المعقبات ملائكة
١٦٨
معقبة واحدها معقب ثم جمعت معقبة بمعقبات كما قيل أبناآت ورجالات جمع أبناء ورجال والذي على التذكير قوله تعالى :﴿يحفظونه﴾ والثاني : وهو قول الأخفش إنما أنث لكثرة ذلك منها نحو نسابة وعلامة وهو ذكر، واختلف في المراد من قوله تعالى :﴿من أمر اللّه﴾ على أقوال :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٦٦
أحدها : إنه على التقديم والتأخير، والتقدير له معقبات من أمر اللّه يحفظونه.
ثانيها : أنّ فيه إضماراً، أي : ذلك الحفظ من أمر اللّه، أي : مما أمر الله تعالى به فحذف الاسم وأبقى خبره.