تنبيه : الغدوّ جمع غداة كقنى وقناة، والآصال جمع الأصل، والأصل جمع أصيل، وهو ما بين العصر إلى غروب الشمس. ولما بيّن تعالى أن كل من في السموات والأرض ساجد لله تعالى عدل إلى الردّ على عباد الأصنام بقوله تعالى :
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٧١
قل﴾
يا أشرف الخلق على الله تعالى لقومك ﴿من رب السموات والأرض﴾، أي : من مالكهما وما فيهما ومدبرهما وخالقهما ؟
﴿قل الله﴾، أي : أجب عنهم بذلك إن لم يقولوه، ولا جواب لهم غيره، ولأنه البين الذي لا يمكن المراء فيه ولقنهم الجواب به. وروي أنه لما قال للمشركين ذلك عطفوا عليه وقالوا : أجب أنت فأمره الله تعالى، فأجاب بذلك، ثم ألزمهم الحجة على عبادتهم الأصنام بقوله تعالى :﴿قل﴾ لهم ﴿أفاتخذتم من دونه﴾، أي : غير الله ﴿أولياء﴾، أي : أصناماً تعبدونها ﴿لا يملكون لأنفسهم نفعاً﴾ يجلبونه ﴿ولا ضرّاً﴾ يدفعونه فكيف يملكون لكم ذلك ؟
وقرأ ابن كثير وحفص بإظهار الذال في اتخذتم عند التاء، والباقون بالإدغام، ثم ضرب الله تعالى مثلاً للمشركين الذين يعبدون الأصنام والمؤمنين الذين يعبدون الله فقال تعالى :﴿قل هل يستوي الأعمى والبصير﴾ قال ابن عباس : يعني المشرك والمؤمن، وإنما مثل الكافر بالأعمى ؛ لأنه لا يهتدي سبيلاً، فكذلك الكافر لا يهتدي سبيلاً. ثم ضرب الله مثلاً للإيمان والكفر بقوله تعالى :﴿أم هل تستوي الظلمات﴾، أي : الكفر ﴿والنور﴾، أي : الإيمان ؟
الجواب : لا. وقرأ شعبة وحمزة والكسائي ﴿يستوي﴾ بالياء على التذكير، والباقون بالتاء على التأنيث، وأمّا اللام من هل هنا فلا تدغم على القراءتين. ﴿أم جعلوا لله شركاء﴾ والهمزة للانكار، وقوله تعالى :﴿خلقوا كخلقه﴾ صفة شركاء، أي : خلقوا سموات وأرضين وشمساً وقمراً وجبالاً وبحاراً وجناً وإنساً. ﴿فتشابه الخلق﴾، أي : خلق الشركاء بخلق الله ﴿عليهم﴾ من هذا الوجه فلا يدرون ما خلق الله ولا ما خلق آلهتهم، فاعتقدوا استحقاق عبادتهم بخلقهم، وهذا استفهام إنكار، أي : ليس الأمر كذلك ولا يستحق العبادة إلا الخالق. ولما كان من المعلوم قطعاً أن جوابهم أن الخلق كله لله لزمتهم الحجة فقال تعالى :﴿قل﴾ لهؤلاء المشركين ﴿الله خالق كل شيء﴾، أي : مما يصح أن يكون مخلوقاً، فهو من العموم الذي يراد به الخصوص، فلا يدخل في ذلك صفات الله تعالى، وإذا كان لا خالق غيره فلا يشاركه في العبادة أحد، فوجب أن ينفرد بالإلهية كما قال تعالى :﴿وهو الواحد﴾، أي : الذي لا يجانسه شيء، وكل ما سواه لا يخلو عن مماثل يماثله، وأين رتبة من يماثل من رتبة من لا مثل له ؟
﴿القهار﴾ الذي كل شيء تحت قهره، فيدخل تحت قضائه ومشيئته وإرادته، ثم ضرب تعالى مثلاً للحق والباطل بقوله تعالى :
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٧١
أنزل من السماء﴾
، أي : السحاب أو السماء نفسها ﴿ماء﴾، أي : مطراً ﴿فسالت أودية﴾، أي : أنهار جمع واد، وهو الموضع الذي يسيل الماء فيه بكثرة فاتسع فيه، واستعمل للماء الجاري فيه، وتنكيرها ؛ لأنّ المطر يأتي على تناوب بين البقاع ﴿بقدرها﴾، أي : بمقدارها الذي علم الله تعالى أنه نافع غير ضارّ، أو بمقداره في الصغر والكبر. ﴿فاحتمل السيل زبداً رابياً﴾، أي : عالياً هو ما على وجهه من قذر ونحوه ﴿ومما توقدون عليه من النار﴾، أي : من جواهر الأرض الذهب والفضة والنحاس والحديد ﴿ابتغاء﴾، أي : طلب ﴿حلية﴾، أي : زينة ﴿أو متاع﴾، أي : ينتفع به كالأواني إذا أذيبت، وآلات
١٧٢
الحرب والحرث، والمقصود من هذا بيان منافعها ﴿زبد مثله﴾، أي : مثل زبد السيل، وهو خبثه الذي ينفيه الكير، ومن للابتداء أو للتبعيض. وقرأ حفص وحمزة والكسائي بالياء على الغيبة على أن الضمير للناس وإضماره للعلم به، والباقون بالتاء على الخطاب ﴿كذلك﴾، أي : مثل هذا الضرب العلي الرتب المتبين السبب ﴿يضرب الله﴾، أي : الذي له الأمر كله ﴿الحق والباطل﴾، أي : مثلهما، فإنه تعالى مثل الحق في إفادته وثباته بالماء الذي ينزل من السماء، فتسيل به الأودية على قدر الحاجة والمصلحة، فيننتفع به أنواع المنافع، ويمكث في الأرض بأن يثبت بعضه في منافعه، ويسلك بعضه في عروق الأرض إلى العيون والقنيّ والآبار، ومثل الباطل في قلة نفعه وسرعة زواله بزبدهما وهو قوله تعالى :﴿فأما الزبد﴾، أي : من السيل وما أوقد عليه من الجواهر ﴿فيذهب جفاء﴾.


الصفحة التالية
Icon