﴿الله يبسط الرزق﴾، أي : يوسعه ﴿لمن يشاء ويقدر﴾، أي : يضيقه على من يشاء سواء في ذلك الطائع والعاصي و لا تعلق لذلك بالكفر والإيمان فقد يوجد الكافر موسعاً عليه دون المؤمن ويوجد المؤمن موسعاً عليه دون الكافر فالدنيا دار امتحان ولما كانت السعة مظنة الفرح إلا عند من وفقه الله تعالى قال الله تعالى :﴿وفرحوا﴾، أي : كفار مكة فرح بطر ﴿بالحياة الدنيا﴾، أي : بما نالوه فيها لا فرح سرور بفضل الله والعافية عليهم ولم يقابلوه بالشكر حتى يستوجبوا نعيم الآخرة ﴿وما الحياة الدنيا﴾، أي : بكمالها ﴿في الآخرة﴾، أي : في جنبها ﴿الامتاع﴾، أي : حقير متلاش يتمتع به ويذهب كعجالة الراكب وهي ما يتعجله من تميرات أو شربة ماء سويق أو نحو ذلك.
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٧٧
ويقول الذين كفروا﴾ من أهل مكة ﴿لولا﴾، أي : هلا ﴿أنزل عليه﴾، أي : على هذا الرسول ﴿آية﴾، أي : علامة بينة ﴿من ربه﴾، أي : المحسن إليه كالعصا واليد لموسى والناقة لصالح لنهتدي بها فنؤمن به وأمره الله تعالى أن يجيبهم بقوله :﴿قل﴾، أي : لهؤلاء المعاندين ﴿إن الله يضل من يشاء﴾ إضلاله فلا تغني عنه الآيات شيئاً وإن أنزلت كل آية ﴿ويهدي﴾، أي : يرشد
١٧٧
﴿إليه﴾، أي : إلى دينه ﴿من أناب﴾، أي : رجع إليه كأبي بكر الصديق وغيره ممن تبعه من العشرة المشهود لهم بالجنة وغيرهم ولو حصلت آية واحدة فلا تشتغلوا بطلب الآيات ولكن تضرعوا إلى الله تعالى في طلب الهداية وقوله تعالى :
﴿الذين آمنوا﴾ بدل من أناب أو خبر مبتدأ محذوف ﴿وتطمئن﴾، أي : تسكن ﴿قلوبهم بذكر الله﴾، أي : أنساً به واعتماداً عليه ورجاءً منه أو بذكر رحمته ومغفرته بعد القلق و الاضطراب من خشيته أو بذكر دلائله الدالة على وجوده أو بالقرآن الذي هو أقوى المعجزات وقال ابن عباس : يريد إذا سمعوا القرآن خشعت قلوبهم واطمأنت فإن قيل : قد قال الله تعالى في سورة الأنفال :﴿إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم﴾ (الأنفال، ٢) والوجل ضد الاطمئنان فكيف الجمع بين هاتين الآيتين ؟
أجيب : بأنهم إذا ذكروا العقاب ولم يأمنوا أن يقدموا على المعاصي فهناك يحصل الوجل وإذا ذكروا وعده بالثواب والرحمة سكنت قلوبهم إلى ذلك وحينئذ حصل الجمع بينهما ﴿ألا بذكر الله﴾، أي : الذي له الجلال والإكرام لا بذكر غيره ﴿تطمئن﴾، أي : تسكن ﴿القلوب﴾ ويثبت اليقين فيها وقوله تعالى :
﴿الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ مبتدأ خبره ﴿طوبى لهم﴾ واختلف العلماء في تفسير طوبى فقال ابن عباس : فرح لهم وقرة عين. وقال عكرمة : نعمى لهم. وقال قتادة : حسنى لهم. وقال النخعي : خير لهم وكرامة. وقال سعيد بن جبير : طوبى اسم الجنة بالحبشية. قال الرازي : وهذا القول ضعيف ؛ لأنه ليس في القرآن إلا العربي لا سيما، اشتقاق هذا اللفظ من اللغة العربية ظاهر. وعن أبي هريرة وأبي الدرداء أن طوبى شجرة في الجنة تظل الجنان كلها. وقال عبيد بن عمير : هي شجرة في جنة عدن أصلها في دار النبيّ ﷺ وفي كل دار وغرفة غصن منها لم يخلق الله لوناً ولا زهرة إلا وفيها منه إلا السواد ولم يخلق الله فاكهة ولا ثمرة إلا وفيها منها ينبع من أصلها عينان الكافور والسلسبيل. وقال مقاتل : وكل ورقة منها تظل أمة عليها ملك يسبح الله تعالى بأنواع التسبيح. وعن أبي سعيد الخدري أنّ رجلاً سأل النبيّ ﷺ ما طوبى ؟
قال :"شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها". وعن معاوية بن قرّة عن أبيه يرفعه :"طوبى شجرة غرسها الله تعالى بيده ونفخ فيها من روحه تنبت الحلي والحلل وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة". وفي رواية عن أبي هريرة أنه قال :"إنّ في الجنة شجرة يقال لها : طوبى يقول الله تعالى لها : تفتقي لعبدي عما يشاء فتتفتق له عن فرس مسرجة بلجامها وهيئتها كما يشاء وتتفتق له عن راحلة برحلها وزمامها وهيئتها كما يشاء". وقيل : طوبى فعلى من الطيب قلبت ياؤه واواً لضم ما قبلها مصدر لطاب كبشرى وزلفى ومعنى طوبى لك أصبت خيراً وطيباً. ﴿وحسن مآب﴾، أي : حسن المنقلب.
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ١٧٧
كذلك﴾، أي : مثل إرسال الرسل الذين قدمنا الإشارة إليهم في آخر سورة يوسف وفي
١٧٨
غيرها ﴿أرسلناك في أمّة﴾، أي : جماعة كثيرة ﴿قد خلت من قبلها﴾، أي : تقدّمتها ﴿أمم﴾ طال أذاهم لأنبيائهم، ومن آمن بهم، واستهزاؤهم بهم في عدم الإجابة حتى كأنهم تواصوا بهذا القول فليس ببدع إرسالك إليهم ﴿لتتلو﴾، أي : لتقرأ ﴿عليهم﴾، أي : على أمّتك ﴿الذي أوحينا إليك﴾ من القرآن وشرائع الدين ﴿وهم﴾، أي : والحال أنهم ﴿يكفرون بالرحمن﴾، أي : بالبليغ الرحمة الذي وسعت رحمته كل شيء.