حتى توجد فيه الفواكه الصيفية والربيعية والخريفية في يوم واحد، وليس ذلك من آياته بعجب، وأن يكون المراد عمارة القرى بالقرب منها لتحصل تلك الثمار. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : كانت الطائف من أرض فلسطين، فلما قال إبراهيم ذلك رفعها الله فوضعها حيث وضعها رزقاً للحرم. ﴿لعلهم يشكرون﴾ يدلّ على أنّ المقصود للعاقل من منافع الدنيا أن يتفرّغ لأداء العبادات وإقامة الطاعات، فإنّ إبراهيم عليه السلام بين أنه إنما طلب تيسير المنافع على أولاده لأجل أن يتفرّغوا لإقامة الطاعات وأداء الواجبات. ولما طلب عليه السلام من الله تعالى تيسير المنافع لأولاده وتسهيلها عليهم ذكر أنه لا يعلم عواقب الأحوال ونهاية الأمور في المستقبل، فإنه تعالى هو العالم بها والمحيط بأسرارها فقال :﴿ربنا إنك تعلم ما نخفي﴾، أي : نسر ﴿وما نعلن﴾ وهذا هو المطلوب الرابع : والمعنى : أنك أعلم بأحوالنا ومصالحنا ومفاسدنا منا، قيل : ما نخفي من الوجد بسبب حصول الفرقة بيني وبين إسماعيل، وما نعلن من البكاء، وقيل : ما نخفي من الحزن المتمكن في القلب وما نعلن يريد ما جرى بينه وبين هاجر حين قال، ت له عند الوداع : إلى من تكلنا ؟
قال : إلى الله أكلكم قالت : آلله أمرك بهذا ؟
قال : نعم. قالت : إذاً لا يضيعنا. واختلف في قوله تعالى :﴿وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء﴾ فقيل : من تتمة قول إبراهيم عليه السلام يعني : وما يخفى على الله الذي هو عالم الغيب من شيء في، أي : مكان، والأكثرون على أنه قول الله تعالى تصديقاً لإبراهيم فيما قال، كقوله تعالى :﴿وكذلك يفعلون﴾ (النمل، ٣٤)
ولفظة من تفيد الاستغراق، كأنه قيل وما يخفى عليه شيء ما. ولما تم إبراهيم عليه السلام ما دعا به أتبعه الحمد على ما رزقه من النعم بقوله تعالى :
﴿الحمد لله﴾، أي : المستجمع لصفات الكمال ﴿الذي وهب لي﴾، أي : أعطاني ﴿على الكبر﴾، أي : وهب لي وأنا كبير آيس من الولد، قيد الهبة بحال الكبر استعظاماً للنعمة وإظهاراً لما فيه من المعجزة ﴿إسماعيل وإسحاق﴾ ومقدار ذلك السنّ غير معلوم من القرآن وإنما يرجع فيه إلى الروايات، فقال ابن عباس : ولد إسماعيل لإبراهيم وهو ابن تسع وتسعين سنة، وولد له إسحاق وهو ابن مئة واثنتي عشرة سنة.
فإن قيل : إنّ إبراهيم عليه السلام إنما ذكر هذا الدعاء عندما أسكن إسماعيل وأمّه في ذلك الوادي، وفي ذلك الوقت ما ولد إسحاق، فكيف يمكنه أن يقول ذلك ؟
أجيب : بأن هذا يقتضي أنّ إبراهيم إنما ذكر هذا الكلام في زمن آخر لا عقب ما تقدّم من الدعاء. قال الرازي : ويمكن أيضاً أن يقال : إنه عليه السلام إنما ذكر هذا الدعاء بعد كبر إسماعيل وظهور إسحاق، وإن كان ظاهر الروايات بخلافه انتهى. تنبيه : قوله (على الكبر) بمعنى مع كقوله :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٠٦
إني على ما ترين من كبري
** أعلم من حيث يؤكل الكتف
وهو في موضع الحال. ولما ذكر الدعاء على سبيل الرمز والتعريض لا على وجه الإفصاح
٢١٠
والتصريح قال :﴿إنّ ربي﴾، أي : المحسن إليّ ﴿لسميع الدعاء﴾، أي : لمجيبه. فإن قيل : الله تعالى يسمع كل دعاء أجابه أو لم يجبه ؟
أجيب : بأن هذا من قولك : سمع الملك كلامي إذا اعتدّ به وقبله، ومنه سمع الله لمن حمده. المطلوب الخامس : قوله :﴿رب اجعلني مقيم الصلاة﴾، أي : معدّلاً لها مواظباً عليها.
تنبيه : في الآية دليل على أنّ أفعال العباد مخلوقة لله تعالى ؛ لأنّ قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام ﴿واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام﴾ (إبراهيم، ٣٥)
يدل على أنّ ترك المنهيات لا يحصل إلا من الله تعالى. وقوله :﴿رب اجعلني مقيم الصلاة﴾ يدل على أنّ فعل المأمورات لا يحصل إلا من الله تعالى، وذلك تصريح بأنّ إبراهيم عليه السلام كان مصراً على أنّ الكل من الله تعالى، وقوله تعالى :﴿ومن ذرّيتي﴾ عطف على المنصوب في اجعلني، أي : واجعل بعض ذريتي كذلك ؛ لأن كلمة من في قوله (ومن ذرّيتي) للتبعيض، وأما ذكر هذا التبعيض، فلأنه علم بإعلام الله تعالى أنه يكون في ذرّيته جمع من الكفار وذلك قوله تعالى :﴿ولا ينال عهدي الظالمين﴾ (البقرة، ١٢٤)
. المطلوب السادس : أنه عليه السلام لما دعا الله تعالى في المطالب المذكورة دعا الله تعالى في أن يقبل دعاءه فقال :﴿ربنا وتقبل دعاء﴾. قال ابن عباس : يريد عبادتي بدليل قوله تعالى :﴿وأعتزلكم وما تدعون من دون الله﴾ (مريم، ٤٨)
. وقيل : دعائي المذكور المطلوب السابع قوله :


الصفحة التالية
Icon