﴿ولقد خلقنا الإنسان﴾ قال الرازي والمفسرون : أجمعوا على أنّ المراد منه آدم عليه السلام. ونقل في كتب الشيعة عن محمد بن علي الباقر أنه قال : قد انقضى قبل آدم الذي هو أبونا ألف ألف آدم أو أكثر سمي إنساناً لظهوره وإدراك البصر إياه، وقيل : من النسيان لأنه عهد إليه فنسى. ﴿من صلصال﴾، أي : من الطين الشديد اليابس الذي لم تصبه نار، إذا نقرته سمعت له صلصلة، أي : صوتاً. وقال ابن عباس : هو الطين إذا نضب عنه الماء تشقق فإذا حرّك تقعقع. وقال مجاهد : هو الطين المنتن واختاره الكسائي وقال الفراء : هو طين خلط برمل فصار له صوت عند نقره. وقال الرازي : قال المفسرون : خلق الله تعالى آدم من طين فصوّره وتركه في الشمس أربعين سنة فصار صلصالاً لا يدري أحد ما يراد به ولم يروا شيئاً من الصور يشبهه إلى أن نفخ فيه الروح. ﴿من حمأ﴾، أي : طين أسود منتن ﴿مسنون﴾، أي : مصوّر بصورة الآدمي. وقال ابن عباس : هو التراب المبتل المنتن. وقال مجاهد : هو المنتن المتغير. قال البغوي : وفي بعض الآثار إنّ الله تعالى خمر طينة آدم وتركه حتى صار متغير أسود ثم خلق منه آدم عليه السلام. قال ابن الخازن : والجمع بين هذه الأقوال على ما ذكره بعضهم أنّ الله تعالى لما أراد خلق آدم عليه السلام قبض قبضة من تراب الأرض وإليه الإشارة بقوله تعالى :﴿إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب﴾ (آل عمران، ٥٩)
ثم إنّ ذلك التراب بله بالماء وحمأ حتى اسودّ وأنتن ريحه وتغير وإليه الإشارة بقوله تعالى :﴿من حمأ مسنون﴾ ثم إنّ ذلك الطين الأسود المتغير صوّره الله صورة إنسان أجوف فلما جف ويبس كانت تدخل فيه الريح فيسمع له صلصلة وإليه الإشارة بقوله تعالى :﴿من صلصال كالفخار﴾ (الرحمن، ١٤)
وهو الطين اليابس يفخر في الشمس ثم نفخ فيه الروح فكان بشراً سوياً. ولما ذكر سبحانه وتعالى خلق الإنسان ذكر ما خلقه قبل من الجان فقال تعالى :
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٢٤
والجانّ﴾ قال ابن عباس : هو أبو الجن كما أنّ آدم عليه السلام أبو البشر وإبليس أبو الشياطين وفي الجنّ مسلمون وكافرون ويأكلون ويشربون ويحيون ويموتون كبني آدم، وأما الشياطين فليس فيهم مسلمون ولا يموتون إلا إذا مات إبليس. وقال وهب : إنّ من الجنّ من يولد له ويأكلون ويشربون بمنزلة الآدميين ومن الجنّ من هو بمنزلة الريح لا يتولدون ولا يأكلون ولا يشربون وهم الشياطين. قال ابن الخازن : والأصح أنّ الشياطين نوع من الجنّ لاشتراكهم في الاستتار سموا جناً لتواريهم
٢٢٥
واستتارهم عن الأعين، من قولهم جنّ الليل إذا ستر والشيطان هو العاتي المتمرّد الكافر، والجنّ منهم المؤمن ومنهم الكافر وانتصاب الجان بفعل يفسره. ﴿خلقناه من قبل﴾، أي : قبل خلق الإنسان ﴿من نار السموم﴾، أي : من ريح حارة تدخل مسام الإنسان فتقتله من قوّة حرارتها. قال الرازي : فالريح الحارة فيها نار وبها فيح كما ورد في الخبر أنها من فيح جهنم انتهى. ويقال : السموم بالنهار والحرور بالليل. وقال الكلبي : عن أبي صالح السموم نار لا دخان لها والصواعق تكون منها وهي نار تكون بين السماء وبين الحجاب فإذا أحدث الله تعالى أمراً خرقت الحجاب فهوت إلى ما أمرت به فالهدّة التي تسمعون خرق ذلك الحجاب. وعن ابن عباس هذه السموم جزء من سبعين جزءاً من السموم التي خلق منها الجان، وتلا هذه الآية. وعن الضحاك عن ابن عباس كان إبليس من حي من الملائكة يقال لهم الجنّ خلقوا من نار السموم، وخلقت الجنّ الذين ذكروا في القرآن ﴿من مارج من نار﴾ (الرحمن، ١٥)، وأمّا الملائكة فخلقوا من النور. ولما ذكر الله تعالى حدوث الإنسان الأوّل واستدل بذكره على وجود الإله القادر المختار ذكر بعده واقعته بقوله تعالى :
﴿وإذ﴾، أي : واذكر يا أشرف الخلق قول ربك عز وجل إذ ﴿قال ربك﴾، أي : المحسن إليك بتشريف أبيك آدم عليه السلام لتشريفك ﴿للملائكة إني خالق بشراً﴾، أي : حيواناً كثيفاً يباشر ويلاقي والملائكة والجن لا يباشرون للطف أجسامهم عن أبشار البشر والبشرة ظاهر الجلد من كل حيوان وقوله تعالى :﴿من صلصال من حمأ مسنون﴾ تقدّم تفسيره.
﴿فإذا سويته﴾، أي : عدّلته وأتممته وهيأته لنفخ الروح فيه بالفعل ﴿ونفخت فيه من روحي﴾، أي : خلقت الحياة فيه وليس ثم نفخ ولا منفوخ وإنما هو تمثيل وأضاف الروح إليه تشريفاً كما يقال : بيت الله وهو ما يصير به الروح عالماً وأشرف منه ما يصير به العالم عاملاً خاشعاً وسيأتي الكلام على الروح إن شاء الله تعالى في سورة سبحان عند قوله تعالى :﴿ويسألونك عن الروح﴾ (الإسراء، ٨٥)
. ﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٢٤
فقعوا﴾، أي : أسقطوا ﴿له﴾ تعظيماً حال كونكم ﴿ساجدين﴾ وتقدّم في سورة البقرة الكلام على من المخاطب بالسجود وهل هو كل الملائكة أو ملائكة السموات أو ملائكة الأرض وهل هو سجود انحناء أو غيره.