وقوله تعالى :﴿ذلك الأمر﴾ مبهم تفسيره ﴿أن دابر هؤلاء مقطوع﴾ أي : مستأصلون عن آخرهم حتى لا يبقى منهم أحد وقوله تعالى :﴿مصبحين﴾ حال من هؤلاء أو من الضمير في مقطوع وجمعه للحمل على المعنى فإن دابر هؤلاء في معنى مدبري هؤلاء، أي : يتم استئصالهم في الصباح.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٣١
﴿وجاء أهل المدينة﴾ أي : مدينة من مدائن قوم لوط وهي سذوم بسين مهملة وذال معجمة وأخطأ من قال بمهملة ﴿يستبشرون﴾ أي : بأضياف لوط طمعاً فيهم وليس في الآية دليل على المكان الذي جاؤوه إلا أن القضية تدل على أنهم جاؤوا دار لوط. وقيل : إن الملائكة لما كانوا في غاية الحسن اشتهر خبرهم حتى وصل إلى قوم لوط. وقيل : امرأة لوط أخبرتهم بذلك. قال الرازي : وبالجملة فالقوم قالوا نزل بلوط ثلاثة من المرد ما رأينا قط أصبح وجهاً ولا أحسن شكلاً منهم فذهبوا إلى دار لوط طلباً منهم لأولئك المرد والاستبشار إظهار السرور ولما وصلوا إليه.
﴿قال﴾ لهم لوط :﴿إن هؤلاء ضيفي﴾ أي : وحق على الرجل إكرام الضيف ﴿فلا تفضحون﴾ فيهم يقال : فضحه إذا أظهر من أمره ما يلزم به العار وإذا قصد الضيف بسوء كان ذلك إهانة لصاحب المحل ثم أكد ذلك بقوله :
﴿واتقوا﴾ أي : خافوا ﴿الله﴾ في أمرهم ﴿ولا تخزون﴾ أي : ولا تخجلوني فيهم بقصدكم إياهم بفعل الفاحشة من الخزاية وهي الحياء أو لا تذلوني بسببهم من الخزي وهو الهوان.
﴿قالوا﴾ أي : قومه في جواب قوله لهم ﴿أو لم ننهك عن العالمين﴾ أي : عن أن تضيف أحداً من العالمين، وقيل : أو لم ننهك أن تدخل الغرباء المدينة فإنا نطلب منهم الفاحشة، وقيل : أو لم ننهك أن تمنع بيننا وبينهم فإنهم كانوا يتعرضون لكل أحد وكان لوط عليه السلام يمنعهم عنهم
٢٣٤
بقدر وسعه
ثم ﴿قال﴾ لهم :﴿هؤلاء بناتي﴾ أي : نساء القوم لأن كل أمة أولاد نبيها رجالهم بنوه ونساؤهم بناته فكأنه قال لهم : هؤلاء بناتي فانكحوهنّ وخلوا بني فلا تتعرّضوا لهم ﴿إن كنتم فاعلين﴾ أي : ما أقول لكم أو قضاء الشهوة والكلام في ذلك قد مرّ بالاستقصاء في سورة هود وقرأ نافع بفتح ياء بناتي والباقون بسكونها قال الله تعالى لنبيه محمد ﷺ على لسان ملائكته :
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٣٤
لعمرك﴾
أي : وحياتك وما أقسم بحياة أحد غيره وذلك يدل على أنه أكرم الخلق على الله تعالى ﴿إنهم لفي سكرتهم﴾ أي : شدّة غفلتهم التي أزالت عقولهم ﴿يعمهون﴾ أي : يتحيرون الخطاب للوط عليه السلام قالت له الملائكة ذلك، أي : فكيف يعقلون قولك ويلتفتون إلى نصيحتك. تنبيه : لعمرك مبتدأ محذوف الخبر وجوباً وإنهم وما حيزه جواب القسم تقديره : لعمرك قسمي أو يميني إنهم والعمر والعمر بالفتح والضم واحد وهو البقاء إلا أنهم خصوا القسم بالمفتوح لإيثار الأخف فيه وذلك لأنّ الحلف كثير الدور على ألسنتهم بلعمري ولعمرك. ﴿فأخذتهم الصيحة﴾ أي : صيحة هائلة مهلكة وهل هي صيحة جبريل عليه السلام. قال الرازي : ليس في الآية دليل على ذلك فإن ثبت بدليل قوي قيل به وإلا ليس في الآية دليل إلا أنهم جاءتهم صيحة عظيمة مهلكة وقوله تعالى :﴿مشرقين﴾ أي : داخلين في وقت الشروق وهو بزوغ الشمس حال من مفعول أخذتهم ثم بين سبحانه وتعالى ما تسبب عن الصيحة معقباً لها بقوله تعالى :
﴿فجعلنا﴾ أي : بما لنا من العظمة والقدرة ﴿عاليها﴾ أي : مدائنهم ﴿سافلها﴾ بأن رفعها جبريل عليه السلام إلى السماء وأسقطها مقلوبة إلى الأرض ﴿وأمطرنا عليهم﴾ أي : أهل المدائن التي قلبت المدائن لأجلهم ﴿حجارة من سجيل﴾ أي : طين طبخ بالنار. تنبيه : دلت الآية الكريمة على أنّ الله تعالى عذبهم بثلاثة أنواع من العذاب أحدها الصيحة الهائلة المنكرة وثانيها : أنه جعل عاليها سافلها، وثالثها : أنه أمطر عليهم حجارة من سجيل، وتقدّمت الإشارة إلى ذلك في سورة هود.
﴿إنّ في ذلك﴾ أي : المذكور من هذه الأنواع ﴿لآيات﴾ أي : دلالات على وحدانية الله تعالى ﴿للمتوسمين﴾ أي : للناظرين المعتبرين جمع متوسم وهو الناظر في السمة حتى يعرف حقيقة الشيء وسمته.
﴿وإنها﴾ أي : هذه المدائن ﴿لبسبيل﴾ أي : طريق قريش إلى الشأم ﴿مقيم﴾ أي : لم يندرس بل يشاهدون ذلك ويرون أثره أفلا يعتبرون. ثم قال سبحانه وتعالى مشيراً إلى زيادة الحث على الاعتبار بالتأكيد
﴿إنّ في ذلك﴾ أي : هذا الأمر العظيم ﴿لآية﴾ أي : علامة عظيمة في الدلالة على وحدانيته تعالى ﴿للمؤمنين﴾ أي : كل من آمن بالله وصدّق الأنبياء والرسل عرف أنّ ذلك إنما كان لأجل أنّ الله تعالى انتقم لأنبيائه من أولئك الجهال، أمّا الذين لا يؤمنون بالله فإنهم يحملونه على حوادث العالم ووقائعه، ثم ذكر تعالى القصة الثالثة وهي قصة شعيب عليه السلام بقوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon