ولقد آتيناك} يا أفضل الخلق بما لنا من العظمة والقدرة، كما آتينا صالحاً ما تقدّم ﴿سبعاً﴾ يكون كل سبع منها كفيلاً بإغلاق باب أبواب من النيران السبعة وهي أم القرآن الجامعة لجميع معاني القرآن التي أمرنا بإعادتها في كل ركعة زيادة في حفظها وتبرّكاً بلفظها وتذكراً لمعانيها وتخصيصاً لها عن بقية الذكر الذي تكفلنا بحفظه، والسبب في وقوع هذا الاسم على الفاتحة لأنها سبع آيات وهذا ما عليه أكثر المفسرين. روي أنه ﷺ قرأ الفاتحة وقال :"هي السبع المثاني". رواه أبو هريرة، وقيل : المراد سبع سور وهي الطوال. واختلف في السابعة فقيل : الأنفال وبراءة لأنهما في حكم سورة ولذلك لم يفصل بينهما بآية البسملة، وقيل : الحواميم السبع، وقيل : سبع صحائف وهي الأسباع وقوله تعالى :﴿من المثاني﴾ صفة للسبع وهو جمع واحده مثناة والمثناة كل شيء يثنى، أي : يجعل اثنين من قولك : ثنيت الشيء ثنيا، أي : عطفته وضممت إليه آخر ومنه يقال لركبتي الدابة ومرفقيها مثاني، لأنها تثنى بالفخذ والعضد ومثاني الوادي معاطفه. أما تسمية الفاتحة بالمثاني فلوجوه : الأوّل : أنها تثنى في كل صلاة بمعنى أنها تقرأ في كل ركعة. الثاني : أنها تثنى بما بعدها فيما يقرأ معها. الثالث : أنها قسمت قسمين اثنين لما روي أنه ﷺ قال :"يقول الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين" والحديث مشهور، وقد ذكرته في وجه تسميتها صلاة عند ذكرها. الرابع : أنها قسمان اثنان ثناء ودعاء وأيضاً النصف الأوّل منها حق الربوبية وهو الثناء، والنصف الثاني حق العبودية وهو الدعاء. الخامس : أنّ كلماتها مثناة مثل ﴿الرحمن الرحيم﴾، ﴿إياك نعبد وإياك نستعين، اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم﴾. وأما السور والأسباع فلما وقع فيها من تكرير القصص والمواعظ والوعد والوعيد وغير ذلك، ولما فيها من الثناء كأنها تثنى على الله تعالى بأفعاله العظمى وصفاته الحسنى. تنبيه : من في ﴿من المثاني﴾ إما للبيان أو للتبعيض، إذا أردت بالسبع الفاتحة أو الطوال
٢٣٧
وللبيان إن أردت الأسباع. قال الزمخشريّ : ويجوز أن تكون كتب الله كلها مثاني لأنها تثنى عليه لما فيها من المواعظ المكرّرة ويكون القرآن بعضها، وقوله تعالى :﴿والقرآن العظيم﴾ أي : الجامع لجميع معاني الكتب السماوية المتكفل بخيري الدارين مع زيادات لا تحصى فيه أوجه أحدها : أنه من عطف بعض الصفات على بعض، أي : الجامع بين هذين النعتين. الثاني : أنه من عطف العامّ على الخاص إذ المراد بالسبع إما الفاتحة وإما الطوال، فكأنه ذكر مرّتين بجهة الخصوص ثم باندراجه في العموم. الثالث : أنّ الواو مقحمة. ولما عرف سبحانه وتعالى رسوله عظيم نعمه عليه فيما يتعلق بالدين وهو أنه آتاه سبعاً من المثاني والقرآن العظيم نهاه عن الرغبة في الدنيا بقوله تعالى :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٣٦
﴿لا تمدّنّ عينيك﴾ أي : لا تشغل سرّك وخاطرك بالالتفات ﴿إلى ما متعنا به أزواجاً منهم﴾ أي : أصنافاً من الكفار والزوج في اللغة الصنف وقد أوتيت القرآن العظيم الذي فيه غنى عن كل شيء. قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه : من أوتي القرآن فرأى أنّ أحداً أوتي في الدنيا أفضل مما أوتي فقد صغّر عظيماً وعظّم صغيراً. وتأوّل سفيان بن عيينة هذه الآية بقول النبيّ ﷺ "ليس منا من لم يتغنّ بالقرآن"، أي : لم يستغن. وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما :﴿لا تمدّنّ عينيك﴾ أي : لا تتمنّ ما فضلنا به أحداً من متاع الدنيا، وقيل : أتت من بعض البلاد سبع قوافل ليهود قريظة والنضير فيها أنواع البز والطيب والجوهر وسائر الأمتعة فقال المسلمون : لو كانت هذه الأموال لنا لتقوينا بها وأنفقناها في طاعة الله تعالى فقال الله تعالى : لقد أعطيتكم سبع آيات هنّ خير من هذه القوافل السبع. وقرّر الواحدي هذا المعنى فقال : إنما يكون مادًّا عينيه إلى الشيء إذا أدام النظر نحوه وإدامة النظر إلى الشيء تدل على استحسانه وتمنيه. وكان النبيّ ﷺ لا ينظر إلى ما يستحسن من متاع الدنيا. روي أنه نظر إلى نعم بني المصطلق وقد عوست في أبوالها وأبعارها وهو أن تجف أبوالها وأبعارها على أفخاذها إذا تركت من العمل أيام الربيع فتكثر شحومها ولحومها وهي أحسن ما تكون. وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله ﷺ "انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم". وقوله تعالى :﴿ولا تحزن عليهم﴾ نهي له عن الالتفات إليهم إن لم يؤمنوا فيخلصوا أنفسهم من النار. ولما نهاه سبحانه وتعالى عن الالتفات إلى أولئك الأغنياء من الكفار أمره بالتواضع لفقراء المسلمين بقوله تعالى :
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٣٨
واخفض جناحك﴾ أي : ألن جانبك ﴿للمؤمنين﴾ أي : العريقين في هذا
٢٣٨