تنبيه : هذا التفاوت ليس مختصاً بالمال بل هو حاصل في الذكاء والبلادة، والحسن والقبح، والعقل والحمق، والصحة والسقم، والاسم الحسن والاسم القبيح، وهذا بحر لا ساحل له. قال الرازي : وقد كنت مصاحباً لبعض الملوك في بعض الأسفار، وكان ذلك الملك كثير المال والجاه، فكانت الجنائب الكثيرة تقاد بين يديه، وما كان يمكنه ركوب واحد منها، وربما أحضرت الأطعمة الشهية والفواكه الكثيرة العطرة عنده، وما كان يمكنه أن يتناول شيئاً منها وكان من الفقراء من هو صحيح المزاج وقوي البنية كامل القوّة وما كان يجد ملء بطنه طعاماً فذلك الملك وإن كان يفضل هذا الفقير في المال إلا أنّ هذا الفقير كان يفضل ذلك الملك في الصحة والقوّة وهذا باب واسع إذا اعتبره الإنسان عظم تعجبه فيه، فنسأل الله تعالى أن يغنينا من فضله وأن يرضينا بما قسم لنا إنه كريم جواد.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٧٣
ثم ضرب الله تعالى مثلاً للذين جعلوا لله شركاء بقوله تعالى :﴿فما الذين فضلوا﴾ أي : في الرزق وهم الموالي ﴿برادّي رزقهم على ما ملكت أيمانهم﴾ أي : بجاعلي ما رزقناهم من الأموال وغيرها بينهم وبين مماليكهم ﴿فهم﴾ أي : المماليك والموالي ﴿فيه سواء﴾ أي : شركاء يقول الله تعالى هم لا يرضون أن يكونوا هم ومماليكهم فيما رزقناهم سواء فكيف يجعلون بعض عبيدي شركائي في ملكي وسلطاني، وقيل : معنى الآية أنّ الموالي والمماليك الله رازقهم جميعاً فهم في رزقه سواء فلا تحسبن الموالي يردّون أرزاقهم على مماليكهم من عند أنفسهم بل ذلك رزق الله أجراه على أيدي الموالي للماليك.
والمقصود منه بيان أنّ الرازق هو الله تعالى لجميع خلقه وأنّ الموالي والمماليك في ذلك الرزق سواء وأنّ المالك لا يرزق المملوك وإنما ذلك رزقي أجريته إليهم على أيديهم فالرازق للمالك والمملوك هو الله تعالى.
ولما قرّر سبحانه وتعالى هذه الدلائل وبينها وأظهرها بحيث يفهمها كل عاقل كان ذلك إنعاماً عظيماً منه على الخلق فعند هذا قال :﴿أفبنعمة الله﴾ في تقرير هذه البيانات وإيضاح هذه البينات ﴿يجحدون﴾ أن يكفرون وفي ذلك إنكار على المشركين حيث جحدوا نعمته وعبدوا غيره وجعلوا له شركاء يضيفون إليهم بعض ما أنعم به عليهم فيسوّون بينهم وبينه في ذلك. وقرأ شعبة بالتاء على الخطاب والباقون بالياء على الغيبة ثم إنه تعالى ذكر نوعاً آخر من أحوال الناس ليستدلّ به على وجود الإله المختار الحكيم وتنبيهاً على إنعام الله تعالى على عبيده بمثل هذه النعم بقوله تعالى :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٧٣
﴿والله﴾ أي : الذي له تمام القدرة وكمال العلم ﴿جعل لكم من أنفسكم أزواجاً﴾ أي : من جنسكم لتستأنسوا بها ولتكون أولادكم منكم فخلق حوّاء من ضلع آدم وسائر الناس من نطف الرجال والنساء فهو خطاب عام فتخصيصه بآدم وحوّاء فقط خلاف الدليل، والمعنى أنه تعالى خلق النساء لتتزوّج بهنّ الذكور ومعنى من أنفسكم كقوله تعالى :﴿فاقتلوا أنفسكم﴾ (البقرة، ٥٤)
﴿فسلموا على أنفسكم﴾ (النور، ٦١)
أي : بعضكم بعضاً ونظيره قوله تعالى :﴿ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً﴾ (الروم، ٢١)
. ﴿وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة﴾ والحفدة جمع حافد وهو المسرع بالخدمةالمسارع إلى الطاعة ومنه قول القانت : وإليك نسعى ونحفد، أي : نسرع إلى طاعتك هذا أصله في اللغة.
واختلف فيه أقوال المفسرين فقال ابن مسعود والنخعي : الحفدة أختان الرجل على بناته.
٢٧٨
وعن ابن مسعود أنهم أصهاره فهو بمعنى الأوّل وعلى هذا يكون معنى الآية وجعل لكم من أزواجكم بنين وبنات تزوّجونهنّ فيحصل لكم بسببهنّ الأختان والأصهار. وقال الحسن وعكرمة والضحاك : هم الخدم. وقال مجاهد : هم الأعوان وكل من أعانك فهو حفيدك. وقال عطاء : هم ولد الرجل الذين يعينونه ويخدمونه. وقال الكلبي ومقاتل : البنون هم الصغار والحفدة كبار الأولاد الذين يعينون الرجل الذين ليسوا منه، أي : أولاد المرأة من الزوج الأوّل. قال الرازي : والأولى دخول الكل فيه لأنّ اللفظ محتمل للكل بحسب المعنى المشترك. قال الزمخشري : ويجوز أن يراد بالحفدة البنون أنفسهم كأنه قيل : جعل لكم منهنّ أولاداً هم بنون وهم حافدون، أي : جامعون بين الأمرين انتهى. ومع هذا فالمشهور أنّ الحافد ولد الولد من الذكور والإناث.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٧٨