فائدة : قال الأطباء وأهل الطبيعة : المني إذا انصب إلى الخصية اليمنى من الذكر ثم انصب منه إلى الجانب الأيمن من الرحم كان الولد ذكراً تاماً في الذكورة، وإذا انصب من الخصية اليسرى ثم انصب إلى الجانب الأيسر من الرحم كان الولد أنثى تاماً في الأنوثة، وإذا انصب إلى الخصية اليمنى وانصب منها إلى الجانب الأيسر من الرحم كان ذكراً في طبيعة الإناث، وإذا انصب إلى الخصية اليسرى ثم انصب منها إلى الجانب الأيمن من الرحم كان هذا الولد أنثى في طبيعة الذكور. وحاصل كلامهم أنّ الذكور الغالب عليهم الحرارة واليبوسة والغالب على الإناث البرودة والرطوبة، وهذه العلة ضعيفة فإنّ في النساء من مزاجها في غاية السخونة وفي الرجال من مزاجه في غاية البرودة فخالق الذكر والأنثى هو الإله القادر الحكيم. ولما ذكر تعالى إنعامه على عبيده بالمنكوح وما بينه فيه من المنافع والمصالح ذكر إنعامه عليهم بالمطعومات الطيبة فقال :﴿ورزقكم من الطيبات﴾ سواء كانت من النبات وهي الثمار والحبوب والأشربة أو كانت من الحيوان والمراد بالطيب المستلذ أو الحلال ومن في من الطيبات للتبعيض لأنّ كل الطيبات في الجنة وما طيبات الدنيا إلا أنموذج منها واختلف في تفسير قوله تعالى :﴿أفباطل يؤمنون﴾ فقال ابن عباس : يعني بالأصنام. وقال مقاتل : يعني بالشيطان، وقال عطاء : يصدّقون أنّ لي شريكاً وصاحبة وولداً. ﴿وبنعمت الله هم يكفرون﴾ أي : بأن يضيفوها إلى غير الله تعالى، ويتركون إضافتها إلى الله تعالى. وقيل : الباطل ما سوّل لهم الشيطان من تحريم البحيرة والسائبة وغيرهما ونعمة الله ما أحل لهم من هذه الطيبات وتحريم الخبائث. فائدة : رسمت نعمت هنا بالتاء ووقف عليها ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بالهاء والباقون بالتاء والكسائي يقرأ بالإمالة. ولما شرح الله تعالى الدلائل على صحة التوحيد وأتبعها بذكر أقسام النعم العظيمة أتبعها بالرد على عبدة الأصنام فقال :
﴿ويعبدون من دون الله﴾ أي : غيره ﴿ما لا يملك لهم رزقاً﴾ أي : تاركين عبادة من بيده جميع الأرزاق وهو ذو العلو المطلق الذي رزقهم من الطيبات ويعبدون غيره، ثم بين تعالى جهة الرزق بقوله تعالى :﴿من السموات والأرض﴾ أمّا الرزق الذي يأتي من جانب السماء فالمطر، وأمّا الذي من جانب الأرض فالنبات والثمار التي تخرج منها، وقوله تعالى :﴿شيئاً﴾ فيه ثلاثة أوجه ؛ أحدها : أنه منصوب على المصدر، أي : لا يملك لهم ملكاً، أي : شيئاً من الملك. والثاني : أنه بدل من رزقاً، أي : لا يملك لهم شيئاً. قال ابن عادل : وهذا غير مفيد إذ من المعلوم أنّ الرزق شيء من الأشياء ويؤيد ذلك أنّ البدل لا يأتي إلا لأحد معنيين البيان أو
٢٧٩
التأكيد، وهذا ليس فيه بيان لأنه أعمّ ولا تأكيد. الثالث : أنه منصوب على أنه اسم مصدر واسم المصدر يعمل عمل المصدر على خلاف في ذلك. ولما كان من لا يملك شيئاً قد يكون موصوفاً باستطاعة أن يتملك بطريق من الطرق نفى الله تعالى عنهم ذلك بقوله تعالى :﴿ولا يستطيعون﴾ أي : وليس لهم نوع استطاعة أصلاً. فإن قيل : إنه تعالى قال :﴿ويعبدون من دون الله ما لا يملك﴾ فعبر عن الأصنام بصيغة ما وهي لغير العاقل ثم جمع بالواو والنون. وقال :﴿ولا يستطيعون﴾ وهو مختص بمن يعقل ؟
أجيب : بأنه عبر عنها ثانياً اعتباراً باعتقادهم أنها آلهة.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٧٨
وفي تفسير قوله تعالى :﴿فلا تضربوا لله الأمثال﴾ وجهان : الأوّل : قال أكثر المفسرين : ولا تشبهوا الله بخلقه فإنه واحد لا مثل له ولا شبيه ولا شريك من خلقه لأنّ الخلق كلهم عبيده وفي ملكه، فكيف يشبه الخالق بالمخلوق، والرازق بالمرزوق، والقادر بالعاجز. الثاني : أنّ عبدة الأوثان كانوا يقولون أنّ إله العالم أجل وأعظم من أن يعبده الواحد منا، بل نحن نعبد الكواكب أو نعبد هؤلاء الأصنام، ثم إنّ الكواكب والأصنام عبيد الإله الأكبر الأعظم كما أن أصاغر الناس يخدمون أكابر حفدة الملك، وأولئك الأكابر كانوا يخدمون الملك فكذا ههنا. ﴿إنّ الله﴾ أي : الذي له الأمر كله ولا أمر لغيره ﴿يعلم﴾ أي : خطأ ما أنتم عليه من ضرب الأمثال له. ﴿وأنتم لا تعلمون﴾ ذلك وقيل معناه : وأنتم لا تعلمون ما عليكم من العقاب العظيم بسبب عبادة هذه الأصنام ولو علمتموه لتركتم عبادتها. ولما ختم تعالى إبطال مذهب عبدة الأصنام بسبب العلم الذي هو مناط السداد عنهم، أكد ذلك بضرب مثل بقوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon