﴿شاكراً لأنعمه﴾ فإن قيل : لفظ الأنعم جمع قلة ونعمة الله تعالى على إبراهيم عليه السلام كانت كثيرة فلم قال :﴿شاكراً لأنعمه﴾ ؟
أجيب : بأنه ذكر القلة للتنبيه على أنه كان لا يخل بشكر القليلة فكيف بالكثيرة. وروي أنه عليه الصلاة والسلام كان لا يتغدّى إلا مع ضيف فلم يجد ذات يوم ضيفاً فأخر غداءه فإذا هو بقوم من الملائكة في صورة البشر فدعاهم إلى الطعام فخيلوا له أنّ بهم جذاماً فقال لهم : الآن وجبت مؤاكلتكم شكراً لله على أنه عافاني وابتلاكم بهذا البلاء. الصفة السادسة : قوله تعالى :﴿اجتباه﴾ أي : اصطفاه للنبوّة واختاره لخلقه. الصفة السابعة : قوله تعالى :﴿وهداه إلى صراط مستقيم﴾ أي : وهداه إلى دين الإسلام لأنه الصراط المستقيم، والدين القويم، ونظيره قوله تعالى :﴿وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه﴾ (الأنعام، ١٥٣)
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٩٨
الصفة الثامنة : قوله تعالى :
﴿وآتيناه في الدنيا حسنة﴾ قال قتادة : حببه للناس حتى أنّ أرباب الملل يتولونه ويثنون عليه، وأمّا المسلمون واليهود والنصارى فظاهر، وأمّا كفار قريش وسائر
٣٠٠
العرب فلا فخر لهم إلا به وتحقيق القول أنّ الله تعالى أجاب دعاءه في قوله :﴿واجعل لي لسان صدق في الآخرين﴾ (الشعراء، ٨٤)
وقال آخرون : هو قول المصلي منا كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم. وقيل : أولاداً أبراراً على الكبر. الصفة التاسعة : قوله تعالى :﴿وإنه في الآخرة لمن الصالحين﴾ في الجنة. فإن قيل : لم لم يقل تعالى في أعلى مقامات الصالحين ؟
أجيب : بأنه تعالى حكى عنه أنه قال :﴿رب هب لي حكماً وألحقني بالصالحين﴾ (الشعراء، ٨٣)
فقال تعالى هنا :﴿وإنه في الآخرة لمن الصالحين﴾ تنبيهاً على أنه تعالى أجاب دعاءه ثم إنّ كونه من الصالحين لا ينفي أن يكون في أعلى مقامات الصالحين، فإنّ الله تعالى بيّن ذلك في آية أخرى، وهي قوله تعالى :﴿وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء﴾ (الأنعام، ٨٣)
. ولما وصف الله تعالى إبراهيم عليه السلام بهذه الصفات العالية الشريفة أمر نبيه محمداً ﷺ في أتباعه مشيراً إلى علو مرتبته بحرف التراخي بقوله تعالى :
﴿ثم أوحينا إليك﴾ يا أشرف الرسل. وقيل : أتي بثم للتراخي، أي : لتراخي أيامه عن أيام إبراهيم عليهما أفضل الصلاة والسلام. ﴿أن اتّبع ملة إيراهيم﴾ في التوحيد والدعوة إليه بالرفق وإيراد الدلائل مرّة بعد أخرى والمجادلة مع كل أحد على حسب فهمه، ولا بعد في أن يفهم ذلك الهجرة أيضاً. وقيل : كان النبيّ ﷺ مأموراً بشريعة إبراهيم عليهما الصلاة والسلام إلا ما نسخ منها وما لم ينسخ صار شرعاً له وقوله تعالى :﴿حنيفاً﴾ حال من النبيّ ﷺ ويصح أن يكون حالاً من إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وقوله تعالى :﴿وما كان من المشركين﴾ كرّره ردًّا على من زعم من اليهود والنصارى أنهم على دينه، وقوله سبحانه وتعالى :
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٩٨
إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه﴾
فيه قولان : الأوّل : روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : أمرهم موسى عليه السلام بالجمعة وقال تفرغوا لله في كل سبعة أيام يوماً واحداً وهو يوم الجمعة ولا تعملوا فيه شيئاً من أعمالكم، فأبوا أن يقبلوا ذلك وقالوا : لا نريد إلا اليوم الذي فرغ الله تعالى فيه من الخلق، وهو يوم السبت فجعل عليهم السبت وشدّد عليهم فيه، ثم جاء عيسى عليه السلام أيضاً بالجمعة فقالت النصارى : لا نريد أن يكون عيدهم، أي : اليهود بعد عيدنا فاتخذوا الأحد. وروى أبو هريرة عن النبيّ ﷺ "أن الله تعالى كتب يوم الجمعة على من كان قبلكم فاختلفوا فيه وهدانا الله له فهم لنا فيه تبع اليهود غداً والنصارى بعد غد". فإن قيل : هل في العقل وجه يدل على أنّ الجمعة أفضل من السبت والأحد فإن أهل الملل اتفقوا على أنه تعالى خلق العالم في ستة أيام وبدأ تعالى بالخلق والتكوين في يوم الأحد وتمم في يوم الجمعة فكان يوم السبت يوم الفراغ فقالت اليهود : نحن نوافق ربنا في ترك الأعمال فعينوا يوم السبت لهذا المعنى. وقالت النصارى : مبدأ الخلق والتكوين يوم الأحد فنجعل هذا اليوم عيدنا فهذان الوجهان معقولان لنا فما وجه جعل يوم الجمعة عيداً ؟
أجيب : بأنّ يوم الجمعة هو يوم التمام والكمال وحصول التمام والكمال يوجب الفرح الكامل والسرور فجعل يوم الجمعة يوم العيد أولى من هذا الوجه. القول الثاني : اختلافهم في السبت هو أنهم أحلوا الصيد فيه تارة وحرّموه تارة وكان الواجب عليهم أن يتفقوا في تحريمه على كلمة واحدة. {وإن
٣٠١


الصفحة التالية
Icon