ثم أدناك فأدناك". ومنها عنه أيضاً أنه قال :"سمعت رسول الله ﷺ يقول : أرغم الله أنفه أرغم الله أنفه أرغم الله أنفه. قيل : من يا رسول الله ؟
قال : من أدرك والديه أو أحدهما ثم لم يدخل الجنة". ومنها ما روي عنه أيضاً أنه قال :"قال رسول الله ﷺ لن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه". ومنها ما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال :"جاء رجل إلى رسول الله ﷺ يستأذنه في الجهاد. فقال : أحيّ والداك ؟
قال : نعم. قال : ففيهما فجاهد". ومنها ما رواه الترمذي أنه ﷺ قال :"رضا الرب في رضا الوالدين، وسخط الرب في سخط الوالدين". ومنها ما "روي عن أبي الدرداء أنه قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : الوالد أوسط أبواب الجنة فحافظ إن شئت أو ضيِّع". ومنها ما "روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : سألت رسول الله ﷺ أي : العمل أحب إلى الله تعالى ؟
قال : الصلاة على وقتها قلت : ثم أيّ ؟
قال : برّ الوالدين. قلت : ثم أيّ ؟
قال : الجهاد في سبيل الله". وسئل ابن عيينة عن الصدقة عن الميت فقال : ذلك واصل إليه ولا شيء أنفع لهم من الاستغفار ولو كان شيء أفضل منه لأمركم به في الوالدين. ولقد كرّر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز الوصية بالوالدين. ومنها ما روي أنه ﷺ قال :"رضا الله في رضا الوالدين وسخطه في سخطهما". ومنها ما روي عن سعيد بن المسيب أنّ البارّ بوالديه لا يموت ميتة سوء. ومنها ما "روي أنّ رجلاً قال لرسول الله ﷺ إنّ أبويّ بلغا من الكبر أنى ألى منهما ما وليا مني في الصغر فهل قضيتهما قال : لا فإنهما كانا يفعلان ذلك وهما يحبان بقاءك وأنت تفعل ذلك وأنت تريد موتهما". ومنها ما رواه أبو هريرة أنّ رسول الله ﷺ قال :"رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ، ورغم أنف رجل أتى عليه شهر رمضان فلم يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك أبويه الكبر فلم يدخلاه الجنة". ومنها ما روي "أنّ رجلاً شكا إلى رسول الله ﷺ أباه وأنه يأخذ ماله فدعاه فإذا هو شيخ يتوكأ على عصا فسأله فقال : إنه كان ضعيفاً وأنا قويّ وفقيراً وأنا غنيّ فكنت لا أمنعه شيئاً من مالي واليوم أنا ضعيف وهو قويّ وأنا فقير وهو غنيّ ويبخل عليّ بماله فبكى رسول الله ﷺ وقال : ما من حجر ولا مدر يسمع بهذا إلا بكى ثم
٣٣٢
قال للولد : أنت ومالك لأبيك". وشكا إليه آخر سوء خلق أمّه فقال :"لم تكن سيئة الخلق حين حملتك تسعة أشهر قال : إنها سيئة الخلق قال : لم تكن كذلك حين أرضعتك حولين قال : إنها سيئة الخلق. قال : لم تكن كذلك حين أسهرت لك ليلها واظمأت لك نهارها قال : لقد جازيتها. قال : ما فعلت ؟
قال : حججت بها على عنقي. قال : ما جزيتها". وعن ابن عمر أنه رأى رجلاً في الطواف يحمل أمّه ويقول :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٢٧
أنا لها مطية لا تذعر
** إذا الركائب نفرت لا تنفر
*ما حملت وأرضعتني أكثر
** الله ربي ذو الجلال الأكبر
تظنني جزيتها يا ابن عمر قال : لا، والله ولا زفرة واحدة. ولما كان ما ذكر في حق الوالدين عسراً جدّا يحذر من التهاون به أشار بقوله تعالى :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٢٧
﴿ربكم﴾ أي : المحسن إليكم في الحقيقة فإنه هو الذي عطف عليكم من يربيكم وهو الذي أعانهم على ذلك ﴿أعلم﴾ أي : من كل أحد ﴿بما في نفوسكم﴾ من قصد البرّ بهما وغيره، فلا يظهر أحدكم غير ما يبطن فإنّ ذلك لا ينفعه ولا ينجيه إلا أن يحمل نفسه على ما يكون سبباً لرحمتهما ﴿إن تكونوا صالحين﴾ أي : متقين محسنين في نفس الأمر والصلاح استقامة الفعل على ما يدعو الدليل إليه. وأشار تعالى إلى أنه لا يكون ذلك إلا بمعالجة النفس وترجيعها كرة بعد كرّة بقوله تعالى :﴿فإنه كان للأوابين﴾ أي : الرجاعين إلى الخير مرّة إثر مرّة بعد جماح أنفسهم عنه ﴿غفوراً﴾ أي : بالغ الستر بمن وقع منه تقصير فرجع عنه فإنه مغفور له.
٣٣٣
ولما حث تعالى على الإحسان للوالدين بالخصوص عمّ بالأمر بالإحسان لكل ذي قرابة ورَحِمٍ وغيره بقوله تعالى :
﴿وآت ذا القربى﴾ من جهة الأب والأمّ وإن بعد ﴿حقه﴾ والخطاب لكل أحد أن يؤتي أقاربه حقوقهم من صلة الرحم والمودّة والزيارة وحسن المعاشرة والمعاضدة ونحو ذلك. وقيل إن كانوا محتاجين ومحاويج وهو موسر لزمه الإنفاق عليهم عند الإمام أبي حنيفة وقال الشافعيّ : لا يلزم إلا نفقة الوالد على ولده والولد على والده فقط، وقيل المراد بالقرابة قرابة رسول الله ﷺ ﴿و﴾ آت ﴿المسكين﴾ حقه وإن لم يكن قريباً ﴿و﴾ آت ﴿ابن السبيل﴾ وهو المسافر المنقطع عن ماله ليكون متقياً محسناً.


الصفحة التالية
Icon