قتل نفساً بغير حق". ومثل انتقال المسلم من دين الإسلام إلى دين الكفر انتقال كافر من دين إلى دين آخر سواء كان ذلك الدين يقرّ عليه أم لا، ومن ذلك قوله تعالى :﴿قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر﴾ (التوبة، ٢٩)
وقوله تعالى :﴿إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا﴾ (المائدة، ٣٣)
. واختلف الفقهاء في أشياء غير ذلك منها أنّ تارك الصلاة كسلاً هل يقتل فعند الشافعيّ يقتل بشروط معلومة، وعند أبي حنيفة لا يقتل التارك كالزاني. ومنها أنّ عمل اللواط هل يوجب القتل فعند الشافعيّ يوجب قتل الفاعل كالزاني، وعند أبي حنيفة لا يوجبه. ومنها أنّ الساحر إذا قال قتلت فلاناً بسحري عمداً هل يوجب القتل فعند الشافعيّ يوجبه وعند أبي حنيفة لا يوجبه. ومنها أنّ القتل بالمثقل هل يوجب القصاص فعند الشافعيّ يوجب وعند أبي حنيفة لا يوجب. ومنها الامتناع من أداء الزكاة هل يوجب القتل اختلفوا فيه في زمان أبي بكر رضي الله عنه.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٣٦
ومنها أنّ إتيان البهيمة هل يوجب القتل فعند أكثر الفقهاء لا يوجب وعند قوم يوجبه ولكل ممن ذكر أدلة يستدل بها رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
ثم قال تعالى :﴿ومن قتل مظلوماً﴾ أي : بأي : ظلم كان من غير أن يرتكب ما يبيح قتله ﴿فقد جعلنا لوليه﴾ أي : سواء كان قريباً أم بعيداً ﴿سلطاناً﴾ أي : أمراً متسلطاً به. وقوله تعالى :﴿فلا يسرف في القتل﴾ قرأ حمزة والكسائيّ بالتاء على الخطاب أي : أيها الوليّ والباقون بالياء على الغيبة أي : الوليّ وفسر الإسراف بوجوه الأول : أن يقتل القاتل وغير القاتل وذلك أنّ أولياء المقتول كانوا إذا قتل واحد من قبيلة شريفة قتلوا خلقاً من القبيلة الدنيئة فنهى الله تعالى عنه وحكم بقتل القاتل وحده. الثاني : أنّ الإسراف هو أن لا يرضى بقتل القاتل فإنّ الجاهلية كانوا يقصدون أشرف القبائل ثم يقتلون منهم قوماً معينين ويتركون القاتل. الثالث : أنّ الإسراف هو أن لا يكتفي بقتل القاتل بل يقتله ثم يمثل به ويقطع أعضاءه، قال القفال : ولا يبعد حمله على الكل لأنّ حمله على هذه المعاني مشترك في كونها إسرافاً. واختلف في رجوع الهاء إلى ماذا في قوله تعالى :﴿إنه كان منصوراً﴾ فقال مجاهد : راجعة إلى المقتول في قوله تعالى :﴿ومن قتل مظلوماً﴾ أي : أنّ المقتول منصور في الدنيا بإيجاب القود على قاتله، وفي الآخرة بتكفير خطاياه وإيجاب النار لقاتله. وقال قتادة : راجعة لوليّ المقتول، أي : أنه منصور على القاتل باستيفاء القصاص أو الدية فليكتف بهذا القدر ولا يطمع في الزيادة، وقيل راجعة إلى القاتل الظالم أي : أن القاتل يكتفي منه باستيفاء القصاص ولا يطلب منه زيادة لأنه منصور من عند الله تعالى في تحريم طلب الزيادة منه أو أنه إذا عوقب في الدنيا بأزيد مما فعل نصر في الآخرة. وقيل راجعة إلى الدم وقيل إلى الحق.
ولما ذكر تعالى النهي عن إتلاف النفوس أتبعه بالنهي عن إتلاف الأموال لأنّ أعز الأشياء بعد النفوس الأموال وأحق الناس بالنهي عن إتلاف أموالهم هو اليتيم لأنه لصغره وضعفه وكمال عجزه يعظم ضرره بإتلاف ماله، فلهذا السبب خصهم الله تعالى بالنهي عن إتلاف أموالهم بقوله تعالى :
﴿ولا تقربوا مال اليتيم﴾ عبر بالقربان الذي هو قبل الأخذ تعظيماً للمقام فهو أبلغ من قوله تعالى :﴿ولا تأكلوها إسرافاً وبداراً﴾ (النساء، ٦)
. وفي تفسير قوله تعالى :﴿إلا بالتي هي أحسن﴾ وجهان
٣٣٧
الأوّل إلا بالتصرف الذي ينميه ويكثره. الثاني : روى مجاهد عن ابن عباس أنه قال : إذا أحتاج أكل بالمعروف وإذا أيسر قضاه، فإن لم يوسر فلا شيء عليه، والوليّ تبقى ولايته على اليتيم. ﴿حتى يبلغ أشدّه﴾ وهو إيناس الرشد منه بعد بلوغه كما بين تعالى ذلك في آية أخرى وهي قوله تعالى :﴿وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم﴾ (النساء، ٦)
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٣٦
ولما نهى سبحانه وتعالى عن ثلاثة أشياء وهي الزنا والقتل وأكل مال اليتيم أتبعها بثلاثة أوامر الأوّل قوله تعالى :﴿وأوفوا بالعهد﴾ أي : إذا عاهدتم الله تعالى على فعل المأمورات وترك المنهيات أو الناس على فعل أو قول جائز وفي تفسير قوله تعالى :﴿إن العهد كان مسؤولاً﴾ وجوه الأوّل : أن يراد أنّ صاحب العهد كان مسؤولاً فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه كقوله تعالى :﴿واسأل القرية﴾ (يوسف، ٨٢)
. ثانيها :﴿أنّ العهد كان مسؤولاً﴾ أي : مطلوباً يطلب من المعاهد أن لا يضيعه ويفي. ثالثها : أن يكون هذا تخييلاً كأن يقال للعهد لم نكثت وهلا أوفى بك تبكيتاً للناكث كما يقال للموؤدة ﴿بأي ذنب قتلت﴾ (التكوير، ٩)
. وكقوله تعالى لعيسى عليه السلام :﴿أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين﴾ (المائدة، ١١٦)
والمخاطبة لعيسى عليه السلام والإنكار على غيره، الأمر الثاني : قوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon