. وثانيها وثالثها :﴿وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه﴾ لاشتماله على تكليفين الأمر بعبادة الله تعالى والنهي عن عبادة غيره. ورابعها :﴿وبالوالدين إحساناً﴾. خامسها :﴿فلا تقل لهما أف﴾. سادسها :﴿ولا تنهرهما﴾. سابعها :﴿وقل لهما قولاً كريماً﴾ ثامنها :﴿واخفض لهما جناح الذل من الرحمة﴾. تاسعها :﴿وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا﴾. عاشرها :﴿وآت ذا القربى حقه﴾. حادي عشرها :﴿والمسكين﴾. ثاني عشرها :﴿وابن السبيل﴾. ثالث عشرها :﴿ولا تبذر تبذيراً﴾. رابع عشرها :﴿فقل لهم قولاً ميسوراً﴾. خامس عشرها :﴿ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك﴾. سادس عشرها :﴿ولا تبسطها كل البسط﴾. سابع عشرها :﴿ولا تقتلوا أولادكم﴾. ثامن عشرها :﴿ولا تقتلوا النفس﴾. تاسع عشرها :﴿ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً﴾. عشروها :﴿فلا يسرف في القتل﴾ حادي عشريها :﴿وأوفوا بالعهد﴾ ثاني عشريها :﴿وأوفوا الكيل﴾. ثالث عشريها :﴿وزنوا بالقسطاس المستقيم﴾. رابع عشريها :﴿ولا تقف ما ليس لك به علم﴾. خامس عشريها :﴿ولا تمش في الأرض مرحا﴾. فكل هذه تكليفات بعضها أوامر وبعضها نواه فالمنهي عنه هو الذي الذي قال تعالى فيه :﴿كان سيئه عند ربك مكروهاً﴾ أي : يبغضه والعاقل لا يفعل ما يكرهه المحسن إليه. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الهمزة وبالتاء منونة منصوبة وقرأ الباقون بضم الهمزة والهاء مضمومة من غير تنوين.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٣٦
والمعنى على هذا ظاهر، أي : إن سيئ تلك الأقسام يكون مكروهاً، وأمّا القراءة الأولى فسيئة خبر كان وأنث حملاً على معنى كل ثم قال مكروهاً حملاً على لفظها. وقال الزمخشري : إن السيئة في حكم الأسماء بمنزلة الذنب والاسم زال عنه حكم الصفات فلا اعتبار بتأنثيه ولا فرق بين سيئة وسيأ ألا ترى أنك تقول الزنا سيئة كما تقول السرقة سيئة فلا فرق بين إسنادها إلى مذكر ومؤنث، وفي نصب مكروهاً أوجه أحدها : أنه خبر ثان لكان. الثاني : أنه بدل من سيئة وضعف بأن البدل بالمشتق قليل. الثالث : أنه حال من الضمير المستتر في عند ربك لوقوعه صفة لسيئه. الرابع : أنه نعت لسيئه وإنما ذكّرَ وصف سيئه لأن تأنيثه وتأنيث موصوفه مجازي، وردّ بأن ذلك إنما يجوز حيث أسند إلى المؤنث المجازي، أما إذا أسند إلى ضميره فلا نحو الشمس طالعة فلا يجوز طالع.
٣٤١
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٣٦
وقوله تعالى :﴿ذلك﴾ إشارة إلى الأحكام المتقدّمة في الأوامر والنواهي ﴿مما أوحى إليك﴾ يا أشرف الخلق ﴿ربك﴾ أي : المحسن إليك ﴿من الحكمة﴾ التي هي معرفة الحق لذاته والخير للعمل به، وإنما سميت هذه الأمور حكمة لوجوه الأول : أنّ حاصلها يرجع إلى الأمر بالتوحيد، وأنواع الطاعات والخيرات والإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة فالآتي بمثل هذه الشريعة لا يكون داعياً إلى دين الشيطان، بل الفطرة الأصلية تشهد بأنه يكون داعياً إلى دين الرحمن. الثاني : أنّ هذه الأحكام المذكورة في هذه الآيات شرائع واجبة الرعاية في جميع الأديان والملل ولا تقبل النسخ والإبطال فكانت محكمة، وحكمة من هذا الاعتبار. الثالث : أنّ الحكمة عبارة عن معرفة الحق لذاته والخير للعمل به، كما مرّت الإشارة إليه، فالأمر بالتوحيد عبارة عن القسم الأول وسائر التكاليف عبارة عن تعليم الخيرات حتى يواظب عليها ولا ينحرف عنها فثبت أنّ الأشياء المذكورة من هذه الآيات عين الحكمة. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن هذه الآيات كانت في ألواح موسى عليه السلام وجعل سبحانه وتعالى فاتحتها قوله تعالى :﴿لا تجعل مع الله إلهاً آخر﴾ وخاتمتها قوله تعالى :﴿ولا تجعل مع الله إلهاً آخر﴾ تنبيهاً على أنّ التوحيد مبدأ الأمور ومنتهاه، وأنّ من قصد بفعل أو ترك غيره ضاع سعيه وأنه رأس الحكمة وملاكها ورتب عليه ما هو عائدة الشرك في قوله تعالى أوّلاً :﴿ولا تجعل مع الله﴾، أي : في الدنيا، وثانياً ما هو نتيجته في العقبى فقال :﴿فتلقى﴾ أي : فيفعل بك في الآخرة في الحشر ﴿في جهنم﴾ من الإسراع فيه وعدم القدرة على التدارك فعل من ألقى من عال حال كونك. ﴿ملوماً﴾ أي : تلوم نفسك ﴿مدحوراً﴾ أي : مبعداً من رحمة الله. تنبيه : ذكره سبحانه وتعالى في الآية الأولى بقوله تعالى :﴿مذموماً مخذولاً﴾ وفي هذه الآية ﴿ملوماً مدحوراً﴾ والفرق بين الذم واللوم هو أن يذكر له أنّ الفعل الذي أقدم عليه قبيح ومنكر فهذا معنى كونه مذموماً ثم يقال له فعلت هذا الفعل القبيح وما الذي حملك عليه فهذا هو اللوم فأوّل الأمر يصير مذموماً وآخره يصير ملوماً، والفرق بين المخذول والمدحور هو أن المخذول عبارة عن الضعيف يقال تخاذلت أعضاؤه، أي : ضعفت والمدحور هو المطرود والطرد عبارة عن
٣٤٢
الاستخفاف والإهانة فكونه مخذولاً عبارة عن ترك إعانته وتفويضه إلى نفسه وكونه مدحوراً عبارة عن إهانته فيصير أوّل الأمر مخذولاً وآخره مدحوراً. وقوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon