وقال مجاهد والضحاك : الوصيد الكهف. ﴿لو اطلعت عليهم﴾ بكسر الواو على أصل التقاء الساكنين، أي : وهم على تلك الحالة ﴿لوليت منهم﴾ حال وقوع بصرك عليهم ﴿فراراً﴾ لما البسهم الله تعالى من الهيبة وجعل لهم من الجلالة تدبيراً منه لما أراد منهم حتى لا يصل إليهم أحد حتى يبلغ الكتاب أجله. ﴿ولملئت منهم رعباً﴾، أي : فزعاً، واختلف في ذلك الرعب كان لماذا ؟
فقال الكلبيّ : لأنّ أعينهم مفتتحة كالمستيقظ الذي يريد أن يتكلم وهم نيام، وقيل من وحشة الكلام وقيل لكثرة شعورهم وطول أظفارهم وتقلبهم من غير حس كالمستيقظ وقيل : إنّ الله تعالى منعهم بالرعب حتى لا يراهم أحد.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٩٣
وروي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : غزونا مع معاوية نحو الروم فمررنا بالكهف الذي فيه أصحاب الكهف فقال معاوية : لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم فقال ابن عباس قد منع ذلك من هو خير منك ﴿لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً﴾، فبعث معاوية ناساً فقال : اذهبوا فانظروا فلما دخلوا الكهف بعث الله عليهم ريحاً فأخرجتهم. وقرأ نافع وابن كثير بتشديد اللام بعد الميم، والباقون بتخفيفها والسوسي بإبدال الهمزة ياء على أصله وقفاً ووصلاً وحمزة في الوقف فقط. وقرأ ابن عامر والكسائي رعباً بضم العين والباقون بسكونها.
﴿وكذلك﴾، أي : كما فعلنا بهم ما ذكرنا آية ﴿بعثناهم﴾، أي : أيقظناهم آية ﴿ليتساءلوا بينهم﴾، أي : ليسأل بعضهم بعضاً عن أحوالهم في نومهم ويقظتهم فيتعرّفوا حالهم وما صنع الله
٣٩٦
تعالى بهم فيزدادوا يقيناً على كمال قدرة الله تعالى وليستبصروا به أمر البعث ويشكروا ما أنعم الله به عليهم. ﴿قال قائل منهم﴾ مستفهماً من إخوانه :﴿كم لبثتم﴾ نائمين في ذا الكهف من ليلة أو يوم ؟
وهذا يدل على أنّ هذا القائل استشعر طول لبثهم مما رأى من هيئتهم أو بغير ذلك من الأمارات ﴿قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم﴾ لأنهم دخلوا الكهف طلوع الشمس وبعثوا آخر النهار فلما رأوا الشمس باقية قالوا : أو بعض يوم فلما نظروا إلى طول أظفارهم وشعورهم ﴿قالوا ربكم أعلم بما لبثتم﴾ فأحالوا العلم على الله تعالى قال ابن عباس القائل ذلك هو رئيسهم تمليخا رد علم ذلك إلى الله تعالى، وعلم أن مثل هذا التغيير لا يحصل إلا في الأيام الطويلة، وقرأ نافع وابن كثير وعاصم بإظهار الثاء المثلثة عند المثناة والباقون بالإدغام، ثم لما علموا أنّ الأمر ملتبس عليهم لا طريق لهم إلى علمه أخذوا فيما يهمهم وقالوا :﴿فابعثوا أحدكم بورقكم هذه﴾، أي : بفضتكم، وقرأ أبو عمرو وشعبة وحمزة بسكون الراء والباقون بكسرها والورق اسم للفضة سواء كانت مضروبة أم لا ويدل عليه ما روي أن غرفجة اتخذ أنفاً من ورق ويقال لها الرقة وفي الحديث "في الرقة ربع العشر". ﴿إلى المدينة﴾، أي : التي خرجتم منها وهي مدينة طرسوس وهذه الآية تدل على أنّ السعي في إمساك الزاد أمر مهمّ مشروع وأنه لا يبطل التوكل على الله تعالى إذ حقيقة التوكل على الله تعالى تهيئة الأسباب واعتقاد أن لا مسبب للأسباب إلا الله تعالى، فحمل النفقة وما يصلح المسافر هو رأي المتوكلين على الله دون المتوكلين على الإنفاقات على ما في أوعية القوم من النفقات. ومنه قول عائشة رضي الله تعالى عنها لمن سألها عن محرم يشدّ عليه هميانه أوثق عليك نفقتك. وما حكي عن بعض صعاليك العلماء أنه كان شديد الحب إلى أن يرزق حج بيت الله الحرام وعلم منه ذلك فكانت مياسير أهل بلده كلما عزم قوم على حج أتوه أن يحجوا به وألحوا عليه فيعتذر إليهم ويحمد إليهم بذلهم فإذا انفضوا عنه قال لمن عنده ما لهذا السفر إلا شيئان شدّ الهميان والتوكل على الرحمن ﴿فلينظر أيها أزكى طعاماً﴾ قال ابن عباس : يريد ما حل من الذبائح لأن عامة أهل بلدهم كانوا مجوساً وفيهم قوم يخفون إيمانهم وقال مجاهد : كان ملكهم ظالماً فقولهم أيها أزكى طعاماً، أي : أيها أبعد عن الغصب وكل سبب حرام، وقيل : أيها أطيب وألذ وقيل أيها أرخص. قال الزجاج : قولهم أيها رفع بالابتداء وأزكى خبره وطعاماً تمييز ولا بدّ هنا من حذف، أي : أيّ أهلها أزكى، أي : أحل، وقيل لا حذف والضمير عائد على الأطعمة المدلول عليها من السياق. ﴿فليأتكم﴾ ذلك الأحد ﴿برزق منه﴾ لنأكل ﴿وليتلطف﴾، أي : وليكن في ستر وكتمان في دخول المدينة وشراء الأطعمة حتى لا يعرف ﴿ولا يشعرنّ﴾، أي : ولا يخبرنّ ﴿بكم أحداً﴾ من أهل المدينة.
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٩٣
إنهم﴾
، أي : أهل المدينة ﴿إن يظهروا﴾، أي : يطلعوا عالين ﴿عليكم يرجموكم﴾، أي : يقتلوكم والرجم بمعنى القتل كثير في القرآن كقوله تعالى :﴿ولولا رهطك لرجمناك﴾ (هود، ٩١)
وقوله :﴿لأرجمنك﴾ (مريم، ٤٦)
وقوله :﴿أن ترجمون﴾ (الدخان، ٢٠)
. وقال الزجاج : ، أي : يقتلوكم بالرجم والرجم أخبث أنواع القتل. ﴿أو يعيدوكم في ملتهم﴾ إن لنتم لهم {ولن تفلحوا
٣٩٧


الصفحة التالية
Icon