وقالوا : انطلقوا بنا نأت أخانا تمليخا فإنه الآن بين يدي الجبار وهو ينتظرنا حتى نأتيه فبينما هم يقولون ذلك وهم جلوس على هذه الحالة إذا هم باريوس وأصحابه وقوف على باب الكهف فسبقهم تمليخا ودخل وهو يبكي فلما رأوه يبكي بكوا معه ثم سألوه عن خبره فقص عليهم الخبر كله فعرفوا أنهم كانوا نياماً بأمر الله تعالى ذلك الزمن الطويل، وإنما أوقظوا ليكونوا آية للناس وتصديقاً للبعث ويعلم الناس أنّ الساعة آتية لا ريب فيها، ثم دخل على أثر تمليخا أريوس فرأى تابوتاً من نحاس مختوماً بخاتم من فضة فقام بباب الكهف ثم دعا رجالاً من عظماء أهل المدينة ففتح التابوت عندهم فوجد فيه لوحين من رصاص مكتوب فيهما مكسلمينا ومخشلمينا وتمليخا ومطرونس وكشطونس وبيرونس وبيطونس كانوا فتية هربوا من ملكهم دقيانوس الجبار مخافة أن يفتنهم عن دينهم فدخلوا هذا الكهف فلما أخبر بمكانهم أمر بالكهف فسدّ عليهم بالحجارة وإنا كتبنا أسماءهم وخبرهم ليعلمه من بعدهم إن عثر عليهم فلما قرؤوه عجبوا وحمدوا الله تعالى الذي أراهم آية البعث فيهم ثم رفعوا أصواتهم بحمد الله تعالى وتسبيحه ثم دخلوا على الفتية الكهف فوجدوهم جلوساً مشرقة وجوههم لم تبل ثيابهم فخرّ أريوس وأصحابه سجوداً وحمدوا الله تعالى الذي أراهم آية من آياته، ثم كلم بعضهم بعضاً وأنبأهم الفتية عن الذي لقوه من ملكهم دقيانوس ثم إنّ أريوس وأصحابه بعثوا بريداً إلى ملكهم الصالح تندوسيس أن عجل لعلك تنظر إلى آية من آيات الله جعلها الله تعالى على ملكك وجعلها آية للعالمين ليكون لهم نوراً وضياء وتصديقاً للبعث، فاعجل إلى فتية بعثهم الله تعالى وكان قد توفاهم منذ أكثر من ثلاثمئة سنة، فلما أتى الملك الخبر قام ورجع إليه عقله وذهب همه، فقال : أحمد الله ربّ السموات والأرض وأعبدك وأسبح لك تطوّلت عليّ ورحمتني فلم تطفئ النور الذي جعلته لآبائي وللعبد الصالح قسطيطينوس الملك فلما نبئ به أهل المدينة ركبوا إليه وساروا معه حتى أتوا مدينة أفسوس فتلقاهم أهل المدينة وساروا معه نحو الكهف فلما صعد الجبل ورأى الفتية تندوسيس فرحوا به وخرّوا سجداً على وجوههم وقام تندوسيس قدّامهم ثم اعتنقهم وبكى وهم جلوس بين يديه على الأرض يسبحون الله تعالى ويحمدونه ثم قالوا له :
نستودعك الله السلام عليك ورحمة الله وبركاته وحفظك وحفظ ملكك ونعيذك بالله من شر الإنس والجنّ، فبينما الملك قائم إذ رجعوا إلى مضاجعهم فناموا وتوفى الله أنفسهم وقام الملك تندوسيس إليهم فجعل ثيابه عليهم، وأمر أن يجعل كل رجل منهم في تابوت من
٤٠١
ذهب فلما أمسى ونام أتوه في المنام وقالوا له إنا لم نخلق من ذهب ولا فضة ولكن خلقنا من تراب وإلى التراب نصير فاتركنا كما كنا في الكهف على التراب حتى يبعثنا الله تعالى منه فأمر الملك حينئذٍ بتابوت من ساج فجعلوا فيه وحجبهم الله تعالى حين خرجوا من عندهم بالرعب فلم يقدر أحد على أن يدخل عليهم، وقيل إنّ تمليخا لما حمل إلى الملك الصالح قال له الملك : من أنت ؟
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٩٨
قال : أنا رجل من أهل هذه المدينة وذكر أنه خرج أمس أو منذ أيام وذكر منزله وأقواماً لم يعرفهم أحد وكان الملك قد سمع أنّ فتية فقدوا في الزمان الأوّل وأن أسماؤهم مكتوبة على لوح في خزانته فدعا باللوح فنظر في أسمائهم فإذا اسمه مكتوب في ذكر أسماء ألاخرين فقال تمليخا : هم أصحابي فلما سمع الملك ذلك ركب هو ومن معه من القوم فلما أتوا باب الكهف قال تمليخا : دعوني حتى أدخل على أصحابي وأبشرهم فإنهم إن رأوكم معي أرعبتموهم فدخل فبشرهم فقضبت روحه وأرواحهم وأغمي على الملك وأصحابه أثرهم فلم يهتدوا عليهم.
ثم وقع التنازع في أمرهم بين أهل المدينة كما قال تعالى :﴿إذ يتنازعون﴾، أي : أهل المدينة ﴿بينهم أمرهم﴾، أي : أمر الفتية في البناء حولهم ﴿فقالوا﴾، أي : الكفار ﴿ابنوا عليهم﴾، أي : حولهم ﴿بنياناً﴾ يسترهم فإنهم كانوا على ديننا وقوله تعالى :﴿ربهم أعلم بهم﴾ يجوز أن يكون من كلام الله تعالى وأن يكون من كلام المتنازعين فيهم ﴿قال الذين غلبوا على أمرهم﴾، أي : أمر الفتية وهم المؤمنون ﴿لنتخذن عليهم﴾، أي : حولهم ﴿مسجداً﴾ يصلى فيه وفعل ذلك على باب الكهف، وقيل : إنّ بعضهم قال : الأولى أن نسدّ باب الكهف عليهم لئلا يدخل أحد عليهم ولا يقف على أحوالهم إنسان. وقال الآخرون : بل الأولى أن نبني على باب الكهف مسجداً وهذا القول يدل على أنّ أولئك الأقوام كانوا عارفين بالله ومعترفين بالعبادة والصلاة، وقيل : تنازعوا في مقدار مكثهم وقيل في عددهم وأسمائهم. تنبيه : بنياناً يجوز أن يكون مفعولاً به جمع بنيانة وأن يكون مصدراً. ولما ذكر أصحاب الكهف عند النبيّ ﷺ وقع الاختلاف في عددهم كما قال تعالى :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٩٨
٤٠٢