﴿ولبثوا في كهفهم﴾، أي : نياماً ﴿ثلاثمئة﴾، أي : مدّة ثلاثمئة ﴿سنين﴾ قال بعضهم : وهذه السنون الثلاثمئة عند أهل الكتاب شمسية وتزيد القمرية عليها تسع سنين وقد ذكرت في قوله :﴿وازدادوا تسعاً﴾، أي : تسع سنين لأنّ التفاوت بين الشمسة والقمرية في كل ما ئة سنة ثلاث سنين لأنّ السنة الشمسية تزيد على السنة القمرية عشرة أيام وإحدى وعشرين ساعة وخمس ساعة فالثلاثمئة سنة الشمسية ثلاثمئة وتسع قمرية قال الرازي : وهذا مشكل لأنه لا يصح بالحساب هذا القول ويمكن أن يقال لعلهم لما استكملوا ثلاثمئة سنة قرب أمرهم من الإنتباه ثم اتفق ما أوجب بقاءهم في النوم بعد ذلك تسع سنين وقرأ حمزة والكسائي بغير تنوين في الوصل والباقون بالتنوين فسنين عطف بيان لثلاثمائة لأنه لما قال :﴿ولبثوا في كهفهم ثلاثمئة﴾ لم يعرف أنها أيام أو شهور أو سنون، فلما قال :﴿سنين﴾ صار هذا بياناً لقوله ثلاثمئة فكان ذلك عطف بيان له وقيل هو على
٤٠٥
التقديم والتأخير، أي : لبثوا سنين ثلاثمئة. وأمّا وجه القراءة الأولى فهو أنّ الواجب في الإضافة أن يقال ثلاثمائة سنة إلا أنه يجوز وضع الجمع موضع الواحد في التمييز، كقوله تعالى :﴿بالأخسرين أعمالاً﴾ (الكهف، ١٠٣)
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٠٢
وحذف مميز تسع لدلالة ما تقدّم عليه إذ لا يقال عندي ثلاثمئة درهم وتسعة إلا و أنت تعني تسعة دراهم، ولو أردت ثياباً أو نحوها لم يجز لأنه ألغاز. ثم إنّ الله تعالى أمر نبيه ﷺ إذا نازعوه في مدّة لبثهم في الكهف بقوله تعالى :
﴿قل الله أعلم بما لبثوا﴾، أي : فهو أعلم منكم وقد أخبر بمدّة لبثهم، وقيل إنّ أهل الكتاب قالوا إنّ المدّة من حين دخلوا الكهف إلى يومنا هذا وهو اجتماعهم بالنبيّ ﷺ ثلاثمئة سنين وازدادوا تسع سنين، فرد الله تعالى عليهم ذلك وقال : الله أعلم بما لبثوا يعني بعد قبض أرواحهم إلى يومنا هذا لا يعلمه إلا الله ﴿له غيب السموات والأرض﴾، أي : ما غاب فيهما وخفي من أحوال أهلهما فالغيب ما يغيب عن إدراكك والله عز ذكره لا يغيب عن إدراكه شيء فيكون عالماً بهذه الواقعة لا محالة وقوله تعالى :﴿أبصر به وأسمع﴾ كلمة تذكر في التعجب، أي : ما أبصر الله تعالى بكل موجود وما أسمعه بكل بمسموع ﴿ما لهم﴾، أي : أهل السموات والأرض ﴿من دونه﴾، أي : الله ﴿من وليّ﴾، أي : ناصر ﴿ولا يشرك في حكمه﴾، أي : في قضائه ﴿أحداً﴾ منهم ولا يجعل له فيه مدخلاً لأنه غني بذاته عن كل أحد، وقيل الحكم هنا علم الغيب، أي : لا يشرك في علم غيبه أحداً. وقرأ ابن عامر بالمثناة فوق قبل الشين وبسكون الكاف على نهي كل أحد عن الإشراك، والباقون بالتحتية وضمّ الكاف.
تنبيه : احتج أصحابنا رحمهم الله تعالى بهذه القصة على صحة القول بالكرامة للأولياء وقد قدمنا معرفة الوليّ في سورة يونس عند قوله تعالى :﴿إلا إنّ أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾ (يونس، ٦٢)
فمما يدل على جواز كرامات الأولياء القرآن والأخبار والآثار والمعقول، أمّا القرآن فالمعتمد فيه عندنا آيات الحجة الأولى قصة مريم عليها السلام وقد شرحناها في سورة آل عمران فلا نعيدها. الحجة الثانية : قصة أصحاب الكهف وبقاؤهم في النوم سالمين من الآفات مدّة ثلاثمئة سنة وتسع سنين، وأنّ الله تعالى كان يعصمهم من حرّ الشمس، ومن الناس من تمسك أيضاً في هذه المسألة بقوله تعالى :﴿قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتدّ إليك طرفك﴾ (النمل، ٤٠)
على أنه غير السيد سليمان والسيد جبريل.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٠٢
وأما الأخبار فكثيرة منها ما أخرج في الصحيح عن أبي هريرة عن النبيّ ﷺ أنه قال :"لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة ؛ عيسى بن مريم وصبيّ في زمن جريج وصبيّ آخر ؛ وأمّا عيسى فقد عرفتموه، وأمّا جريج فكان رجلاً عابداً في بني إسرائيل وكانت له أمّ فكان يوماً يصلي إذ اشتاقت إليه أمّه فقالت : يا جريج فقال : يا رب أمّي وصلاتي الصلاة خير أم رؤيتها ثم يصلي فدعته ثانياً فقال : مثل ذلك حتى تم ثلاث مرّات وكان يصلي ويدعها فاشتدّ ذلك على أمّه فقالت : اللهمّ لا تمته حتى تريه المومسات. وكانت زانية في بني إسرائيل فقالت لهم : أنا أفتن جريجاً حتى يزني بي فأتته فلم تقدر على شيء، وكان هناك راع يأوي بالليل إلى صومعته فلما أعياها جريج راودّت الراعي على نفسها فأتاها فولدت ثم قالت : ولدي هذا من جريج، فأتاه بنو إسرائيل وكسروا صومعته وشتموه ثم نخس الغلام قال أبو هريرة : كأني أنظر إلى النبيّ ﷺ حين قال بيده : يا غلام من أبوك ؟
فقال : الراعي. فندم القوم على ما كان منهم واعتذروا إليه وقالوا نبني لك صومعتك من ذهب أو
٤٠٦


الصفحة التالية
Icon