النوع الخامس : ما روي أنّ رسول ملك الروم جاء إلى عمر وطلب داره فظنّ أن داره مثل قصور الملوك فقالوا ليس له ذلك وإنما هو في الصحراء يضرب اللبن فلما ذهب إلى الصحراء رأى عمر وضع درّته تحت رأسه ونام على التراب فتعجب الرسول من ذلك وقال أهل المشرق والمغرب يخافون هذا الإنسان وهو على هذه الصفة ثم قال في نفسه إن وجدته خالياً فاقتله وأخلص الناس منه فلما رفع السيف أخرج الله تعالى من الأرض أسدين فقصداه فخاف وألقى السيف من يده وانتبه عمر ولم ير شيئاً فسأله عن الحال فذكر له الواقعة وأسلم. قال الرازي : وأقول هذه الواقعة رويت بالآحاد وههنا ما هو معلوم بالتواتر وهو أنه مع بعده عن زينة الدنيا واحترازه عن التكلفات والتهويلات ساس الشرق والغرب وغلب الممالك والدول ولو نظرت في كتب التواريخ علمت أنه لم يتفق لأحد من أوّل عهد عمر إلى الآن ما تيسر له، فإنه مع غاية بعده عن التكلفات كيف قدر على تلك السياسات ولا شك أنّ هذا من أعظم الكرامات.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٠٢
وأما عثمان رضي الله تعالى عنه فأشياء كثيرة، منها ما روي عن أنس قال : سرت في الطريق فوقعت عيني على امرأة ثم دخلتُ على عثمان فقال : ما لي أراكم تدخلون عليّ وآثار الزنا ظاهرة عليكم فقلت أجاء الوحي بعد رسول الله ﷺ فقال : لا ولكن فراسة صادقة، ومنها أنه لما طعن بالسيف فأوّل قطرة من دمه سقطت وقعت على المصحف على قوله تعالى :﴿فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم﴾ (البقرة، ١٣٧)
. ومنها أنّ جهجاها الغفاري انتزع العصا من يد عثمان فكسرها على ركبته فوقعت الأكلة في ركبته.
وأما علي رضي الله تعالى عنه فأشياء كثيرة أيضاً، منها ما روي أنّ واحداً من محبيه سرق وكان عبداً أسود فأتي به إلى عليّ فقال : أسرقت ؟
فقال : بلى. فقطع يده فانصرف من عند علي فلقيه سلمان الفارسي وابن الكواء. فقال ابن الكواء : من قطع يدك ؟
فقال له : أمير المؤمنين ويعسوب المسلمين وختن الرسول وزوج البتول. فقال له سلمان : قطع يدك وتمدحه. فقال : ولم لا أمدحه وقد قطع يدي بحق وخلصني من النار، فسمع سلمان ذلك فأخبر به علياً فدعا الأسود ووضع يده على ساعده وغطاه بمنديل، ودعا بدعوات فسمعنا صوتاً من السماء : إرفع الرداء عن
٤٠٨
اليد فرفعناه فإذا اليد قد برئت.
وأما ما روي عن بعض الصحابة فشيء كثير، ونذكر منها شيئاً قليلاً، منها ما روى محمد بن المنكدر عن سفينة قال : ركبت البحر فانكسرت سفينتي التي كنت فيها، وركبت لوحاً من ألواحها فطرحني اللوح في خيسة فيها أسد فخرج الأسد إليّ يريدني فقلت : يا أبا الحرث أنا مولى رسول الله ﷺ قال : فتقدّم الأسد إليّ ودلني على الطريق ثم همهم فظننت أنه يودّعني ورجع.
ومنها ما روى ثابت عن أنس أنّ أسيد بن حضير ورجلاً آخر من الأنصار تحدّثا عند رسول الله ﷺ في حاجة لهما حتى ذهب من الليل زمان ثم خرجا من عنده وكانت الليلة شديدة الظلمة وكان في يد كل واحد منهما عصا فأضاءت عصا أحدهما لهما حتى مشيا في ضوئها فلما افترقت بينهما الطريق أضاءت للآخر عصاه فمشى حتى بلغ منزله. ومنها ما روي أنه قيل لخالد بن الوليد أنّ في عسكرك من يشرب الخمر فركب فرسه ليلة فطاف بالعسكر فلقي رجلاً على فرس ومعه خمر فقال : ما هذا ؟
قال : خل. فقال خالد : اللهم اجعله خلاً فذهب الرجل إلى أصحابه فقال : أتيتكم بخمر ما شربت العرب مثله فلما فتحوا فإذا هو خل فقالوا : والله ما جئتنا إلا بخل فقال : والله هذا دعاء خالد. ومنها الواقعة المشهورة وهي أنّ خالد بن الوليد أكل كفاً من السم على اسم الله وما ضرّه.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٠٢
ومنها ما روي أنّ ابن عمر كان في بعض أسفاره فلقي جماعة وقفوا على الطريق من خوف السبع فطرد السبع من طريقهم، ثم قال : إنما يسلط على ابن آدم ما يخافه ولو أنه لم يخف غير الله لما سلط عليه شيء. ومنها ما روي أنّ النبيّ ﷺ بعث العلاء الحضرمي في غزاة فحال بينهم وبين المطلوب قطعة من البحر فدعا باسم الله الأعظم ومشوا على الماء. وفي كتب الصوفية من هذا الباب روايات متجاوزة عن الحدّ والحصر فمن أرادها طالعها.


الصفحة التالية
Icon