فقال : علامة أنّ الحق رفع عملك أن لا يبقى عندك مرتقى عملك في نظرك، فإن بقي عملك في نظرك فهو غير مرفوع وإن لم يبق عملك في نظرك فهو مرفوع مقبول. الوجه الثالث : أنّ صاحب الكرامة إنما وجد الكرامة لإظهار الذل والتضرّع في حضرة الله تعالى، فإذا ترفع وتكبر وتجبر بسبب الكرامات فقد بطل ما به وصل إلى الكرامات فهذا طريق يؤدّي ثبوته إلى عدمه فكان مردوداً ولهذا المعنى لما ذكر ﷺ مناقب نفسه وفضائلها كان يقول في آخر كل واحد منها ولا فخر، أي : لا أفخر بهذه الكرامات، وإنما أفخر بالمكرم والمعطي. الوجه الرابع : أنه تعالى وصف عباده المخلصين بقوله تعالى :﴿ويدعوننا رغباً﴾ (الأنبياء، ٩٠)، أي : في ثوابنا ﴿ورهباً﴾، أي : من عذابنا. وقيل رغباً في وصالنا ورهباً من عقابنا. قال بعض المحققين : والأحسن أن يقال رغباً فينا ورهباً عنا، وفي هذا القدر كفاية لأولي الألباب، جعلنا الله تعالى وأحبابنا من أهل ولايته بمحمد ﷺ وآله وصحابته. ثم لما دل اشتمال القرآن على قصة أصحاب الكهف من حيث أنها من المغيبات بالإضافة إلى النبيّ ﷺ على أنه وحي معجز أمره أن يداوم درسه ويلازم أصحابه بقوله تعالى :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٠٢
﴿واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك﴾، أي : القرآن واتبع ما فيه واعمل بما فيه ﴿لا مبدّل لكلماته﴾، أي : لا أحد يقدر على تبديلها وتغييرها غيره، وقال بعضهم : مقتضى هذا أن لا يتطرق النسخ إليه وأجاب بأنّ النسخ في الحقيقة ليس تبديلاً لأنّ المنسوخ ثابت في وقته إلى وقت طريان الناسخ فالناسخ كالمغاير فكيف يكون تبديلاً وهذا لا يحتاج إليه مع التفسير المذكور ﴿ولن تجد من دونه﴾، أي : الله ﴿ملتحداً﴾، أي : ملجأً في البيان والإرشاد وقيل إن لم تتبع القرآن. ونزل في عيينة بن حصن الفزاري لما أتى النبيّ ﷺ قبل أن يسلم وعنده جماعة من الفقراء فيهم سلمان الفارسي وعليه شملة قد عرق فيها وبيده خوص يشقه ثم ينسجه فقال له : أما يؤذيك ريح هؤلاء ونحن سادات مضر وأشرافها فإن أسلمنا أسلم الناس وما يمنعنا من اتباعك إلا هؤلاء، أي : كما قال قوم نوح :﴿أنؤمن لك وأتبعك الأرذلون﴾ (الشعراء، ١١١)
فنحهم حتى نتبعك أو اجعل لنا مجلساً واجعل لهم مجلساً.
﴿واصبر نفسك﴾، أي : احبسها وثبتها﴿مع الذين يدعون ربهم﴾ ونظير هذه الآية قد سبق في سورة الأنعام وهو قوله تعالى :﴿ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه﴾ (الأنعام، ٥٢)
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤١١
ففي تلك الاية نهي لرسول الله ﷺ عن طردهم، وفي هذه الآية أمره بمجالستهم والمصابرة معهم وفي قوله تعالى :﴿بالغداة والعشيّ﴾ وجوه الأوّل : أنهم مواظبون على هذا العمل في كل الأوقات كقول القائل ليس لفلان عمل بالغداة والعشيّ إلا شتم الناس. الثاني : المراد صلاة الفجر والعصر. الثالث : أنّ المراد الغداة وهو الوقت الذي ينتقل فيه الإنسان من النوم إلى اليقظة، وهذا الانتقال شبيه بالانتقال من الموت إلى الحياة، والعشيّ هو الوقت الذي ينتقل الإنسان فيه من الحياة إلى الموت ومن اليقظة إلى النوم، والإنسان العاقل يكون في هذين الوقتين كثير الذكر
٤١١
لله تعالى عظيم الشكر لآلاء الله ونعمائه وقرأ ابن عامر بضم الغين المعجمة وسكون الدال وبعدها واو مفتوحة والباقون بفتح الغين والدال وألف بعدها والرسم في المصحف بالواو هنا وفي سورة الأنعام.


الصفحة التالية
Icon