تنبيه : كلا اسم مفرد معرفة يؤكد به مذكران معرفتان وكلتا اسم مفرد ومعرفة يؤكد به مؤنثان معرفتان وإنما إذا أضيفا إلى المظهر كانا بالألف في الأحوال الثلاثة كقولك جاءني كلا أخويك
٤١٥
ورأيت كلا أخويك ومررت بكلا أخويك وجاءني كلتا أختيك ورأيت كلتا أختيك ومررت بكلتا أختيك. وإذا أضيفا إلى المضمر كانا في الرفع بالألف وفي الجرّ والنصب بالياء وبعضهم يقول مع المضمر بالألف في الأحوال الثلاثة أيضاً فقوله تعالى :﴿آتت أكلها﴾ حمل على اللفظ لأنّ كلتا لفظ مفرد ولو قيل آتتا على المعنى لجاز. الصفة الرابعة : قوله تعالى :﴿وفجرنا خلالهما نهراً﴾، أي : وسطهما وبينهما ومنه قوله تعالى :﴿ولأوضعوا خلالكم﴾ (التوبة، ٤٧)
ومنه يقال خللت القوم، أي : دخلت القوم وذلك ليدوم شربهما ويستغنيا عن المطر عند القحط ويزيد بهاؤهما. الصفة الخامسة : قوله تعالى :﴿وكان له﴾، أي : صاحب الجنتين ﴿ثمر﴾، أي : أنواع من المال سوى الجنتين قال ابن عباس : من ذهب وفضة وغير ذلك من أثمر ماله إذا كثر وعن مجاهد الذهب والفضة خاصة، أي : كان مع الجنتين أشياء من الأموال ليكون متمكناً من العمار بالأعوان والآلات وجميع ما يريد وقرأ أبو عمرو وثمر هنا وثمره الآتي بسكون الميم فيهما بعد ضم الثاء المثلثة، وقرأ عاصم بفتح المثلثة والميم فيهما والباقون بضم المثلثة والميم فيهما ذكر أهل اللغة أنّ الضم أنواع المال من الذهب والفضة وغيرهما وبالفتح حمل الشجر قال قطرب : وكان أبو عمرو بن العلاء يقول الثمر المال والولد وأنشد للحرث بن حلزة :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤١٤
ولقد رأيت معاشراً
** قد أثمروا مالاً وولدا
وقال النابغة :
*مهلاً فداء لك الأقوام كلهم
** وما أثمر من مال ومن ولد
﴿فقال﴾، أي : هذا الكافر ﴿لصاحبه﴾، أي : المسلم المجعول مثلاً للفقراء المؤمنين ﴿وهو﴾، أي : صاحب الجنتين ﴿يحاوره﴾، أي : يراجعه الكلام من حار يحور إذا رجع افتخاراً عليه وتقبيحاً لحاله بالنسبة إليه والمسلم يحاوره بالوعظ وتقبيح الركون إلى الدنيا ﴿أنا أكثر منك مالاً﴾ لما ترى من جناتي وثماري، وقرأ نافع بمد الألف بعد النون والباقون بالقصر هذا في الوصل، وأمّا في الوقف فبالألف للجميع، وسكن قالون وأبو عمرو والكسائي هاء وهو وضمها الباقون ورقق ورش راء يحاوره ﴿وأعز نفراً﴾، أي : ناساً يقومون معي في المهمات وينفعون عند الضرورات لأنّ ذلك لازم لكثرة المال غالباً وترى أكثر الأغنياء من المسلمين وإن لم يطلقوا بمثل هذا ألسنتهم فإنّ ألسنة أحوالهم ناطقة به منادية عليه.
﴿ودخل جنته﴾ بصاحبه يطوف به فيها ويفاخرهُ بها وأفرد الجنة لإرادة الجنس ودلالة ما أفاده الكلام من أنهما لاتصالهما كالجنة الواحدة وإشارة إلى أنه لا جنة له غيرها لأنه لا حظّ له في الآخرة ﴿وهو﴾، أي : والحال أنه ﴿ظالم لنفسه﴾ لاعتماده على ماله والإعراض عن ربه، ثم
٤١٦
استأنف بيان ظلمه بقوله تعالى :﴿قال ما أظنّ أن تبيد﴾، أي : تنعدم ﴿هذه﴾، أي : الجنة ﴿أبداً﴾ لطول أمله وتمادي غفلته واغتراره بجهله ثم زاد في الطغيان والبطر بقصر النظر على الحاضر فأنكر البعث بقوله :
﴿وما أظنّ الساعة قائمة﴾، أي : كائنة استلذاذاً بما هو فيه وإخلاداً إليه واعتماداً عليه وقوله :﴿ولئن رددت إلى ربي﴾ المحسن إليّ في هذه الدار في الساعة إقسام منه على أنه إن ردّ إلى ربه على سبيل الفرض والتقدير وعلى ما يزعم صاحبه أنّ الساعة قائمة ﴿لأجدنّ خيراً منها﴾، أي : من هذه الجنة ﴿منقلباً﴾، أي : مرجعاً لأنه لم يعطني الجنة في الدنيا إلا ليعطيني في الآخرة أفضل منها قال ذلك طمعاً وتمنياً على الله وادعاء لكرامته عليه ومكانته عنده، وأنه ما أولاه الجنتين إلا لاستحقاقه واستئهاله وأنّ معه هذا الاستحقاق أينما توجه كقوله : أنّ لي عنده الحسنى لأوتين مالاً وولداً.
﴿قال له صاحبه﴾، أي : المؤمن ﴿وهو﴾، أي : والحال أنّ ذلك الصاحب ﴿يحاوره﴾، أي : يراجعه منكراً عليه ﴿أكفرت بالذي خلقك من تراب﴾، أي : خلق أصلك آدم من تراب لأنّ خلق أصله سبب في خلقه فكان خلقه خلقاً له ﴿ثم من نطفة﴾ متولدة من أغذية أصلها تراب هي مادّتك القريبة ﴿ثم سوّاك﴾، أي : عدلك بعد أن أولدك وطورك في أطوار النشأة ﴿رجلاً﴾، أي : كملك إنساناً ذكراً بالغاً مبلغ الرجال جعل كفره بالبعث كفراً بالله تعالى لأنّ منشأه الشك في كمال قدرة الله تعالى ولذلك ترتب الإنكار على خلقه إياه من التراب، فإنّ من قدر على بدء خلقه مرّة قدر على أن يعيده منه، ولما أنكر على صاحبه أخبر عن اعتقاده بما يضاد اعتقاد صاحبه، فقال مؤكداً لأجل إنكار صاحبه مستدركاً لأجل كفرانه.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤١٤
ولقد رأيت معاشراً
** قد أثمروا مالاً وولدا
وقال النابغة :
*مهلاً فداء لك الأقوام كلهم
** وما أثمر من مال ومن ولد


الصفحة التالية
Icon