﴿فاليوم ننجيك﴾ أي : نخرجك من البحر ﴿ببدنك﴾ أي : جسمك الذي لا روح فيه كاملاً سوياً لم يتغير، أو نخرجك من البحر عرياناً من غير لباس، أو أنّ المراد بالبدن الدرع. قال الليث : البدن هو الدرع الذي يكون قصير الكمين، وهذا منقول عن ابن عباس قال : كان عليه درع من ذهب يعرف، به فأخرجه الله تعالى من الماء مع ذلك الدرع ليعرف ﴿لتكون لمن خلفك﴾ أي : بعدك ﴿آية﴾ أي : عبرة فيعرفوا عبوديتك ولا يقدموا على مثل فعلك. وعن ابن عباس : أنّ بعض بني اسرائيل شكوا في موته، فأخرج لهم ليروه ويشاهده الخلق على ذلك الذلّ والمهانة بعدما سمعوا منه قوله :﴿أنا ربكم الأعلى﴾ ليعلموا أنّ دعواه كانت باطلة، وأن ما كان فيه من عظم الشأن وكبرياء الملك آل أمره إلى ما يرون لعصيانه ربه ﴿وإنّ كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون﴾ أي : لا يعتبرون بها، وهذا الكلام ليس إلا كلام الله تعالى، ولكن القول الأوّل أشهر.
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٧
ولقد بوّأنا﴾
أي : أنزلنا ﴿بني اسرائيل مبوّأ صدق﴾ أي : منزلاً صالحاً مرضياً وهو مصر والشام، وإنما وصف المكان بالصدق ؛ لأنّ عادة العرب إذا مدحت شيئاً أضافته إلى الصدق، تقول العرب : هذا رجل صدق وقدم صدق، والسبب فيه أنّ الشيء إذا كان كاملاً صالحاً لا بدّ أن يصدق الظنّ فيه. وقيل : أرض الشام والفرس والأردن ؛ لأنها بلاد الخصب والخير والبركة ﴿ورزقناهم من الطيبات﴾ أي : الحلالات المستلذات من الفواكه والحبوب والألبان والأعسال وغيرها، فأورث تعالى بني إسرائيل جميع ما كان تحت أيدي فرعون وقومه من الناطق والصامت والحرث والنسل كما قال تعالى :﴿وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها﴾ (الأعراف/ ١٣٧).
﴿فما اختلفوا﴾ أي : هؤلاء الذين فعلنا بهم هذا الفعل من بني اسرائيل في أمر دينهم ﴿حتى جاءهم العلم﴾ أي : جاءهم ما كانوا به عالمين، وذلك أنهم كانوا قبل مبعث محمد ﷺ مقرين به مجمعين على نبوّته غير مختلفين فيه لما يجدونه مكتوباً عندهم، وكانوا يخبرون بمبعثه وصفته ونعته ويفتخرون بذلك على المشركين، فلما بعث ﷺ اختلفوا فيه، فآمن به بعضهم كعبد الله بن سلام وأصحابه، وكفر به بعضهم بغياً وحسداً وإيثاراً لبقاء الرياسة، وأنهم ما اختلفوا في دينهم إلا من بعد ما قرؤوا التوراة وعلموا أحكامها ﴿إن ربك﴾ يا محمد ﴿يقضي بينهم يوم القيامة﴾ أي : الذي هو أعظم الأيام ﴿فيما كانوا﴾ أي : بأفعالهم الجبلية ﴿فيه يختلفون﴾ أي : فيتميز الحق من الباطل والصديق من الزنديق ويسكن كلا داره.
٤١
واختلف المفسرون فيمن المخاطب بقوله تعالى :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٣٧


الصفحة التالية
Icon