﴿فأجاءها﴾ أي : فأتى بها وألجأها ﴿المخاض﴾ وهو تحرك الولد في بطنها للولادة ﴿إلى جذع النخلة﴾ وهو ما برز منها من الأرض ولم يبلغ الأغصان وكأنّ تعريفها لأنه لم يكن في تلك البلاد الباردة غيرها فكانت كالعلم لما فيها من العجب لأن النخل من أقل الأشجار صبراً على البرد ولعلها ألجئت إليها دون غيرها من الأشجار على كثرتها لمناسبة حال النخلة لها لأنها لا تحمل إلا باللقاح من ذكر النخل فحملها بمجرّد هزها أنسب شيء بإتيانها بولد من غير والد فكيف إذا كان ذلك في غير وقته، وكانت يابسة مع مالها فيها من المنافع بالاستناد إليها والاعتماد عليها وكون رطبها خرسة للنفساء وغاية في نفعها وغير ذلك والخرسة بخاء معجمة مضمومة طعام النفساء وهو مراد الجوهري بقوله : طعام الولادة.
قال ابن عباس : الحمل والولادة في ساعة واحدة، وقيل : ثلاث ساعات حملته في ساعة وصور في ساعة ووضعته في ساعة حين زالت الشمس من يومها، وقيل : كانت مدته تسعة أشهر كحمل سائر النساء، وقيل : كانت مدة حملها ثمانية أشهر وذلك آية أخرى له لأنه لا يعيش من ولد لثمانية أشهر وولد عيسى لهذه المدّة وعاش، وقيل : ولد لستة أشهر. ولما كان ذلك أمراً صعباً
٤٦٣
عليها جداً كان كأنه قيل : يا ليت شعري ما كان حالها ؟
فقيل :﴿قالت﴾ لما حصل عندها من خوف العار ﴿يا ليتني مت﴾ وأشارت إلى استغراق الزمان بالموت بمعنى عدم الوجود فقالت من غير جارّ ﴿قبل هذا﴾ أي : الأمر العظيم، وقرأ نافع وحفص وحمزة والكسائي مت بكسر الميم والباقون بالضم ﴿وكنت نسياً﴾ أي : شيئاً من شأنه أن يطرح وينسى ﴿منسياً﴾ أي : متروكاً بالفعل لا يخطر على بالٍ.
فإن قيل : لم قالت ذلك مع أنها كانت تعلم أن الله تعالى بعث جبريل عليه السلام إليها ووعدها بأن يجعلها وولدها آية للعالمين ؟
أجيب عن ذلك بأجوبة : الأول : أنها تمنت ذلك استحياء من الناس فأنساها الاستحياء بشارة الملائكة بعيسى. الثاني : أنّ عادة الصالحين إذا وقعوا في بلاء أن يقولوا ذلك كما روي عن أبي بكر رضي اللّه عنه أنه نظر إلى طائر على شجرة فقال : طوبى لك يا طائر تقع على الشجر وتأكل من الثمر وددت أني ثمرة ينقرها الطائر، وعن عمر رضي الله عنه أنه أخذ تبنة من الأرض فقال : يا ليتني هذه التبنة ولم أكن شيئاً، وعن علي رضي اللّه عنه يوم الجمل : ليتني مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة، وعن بلال : ليت بلالاً لم تلده أمه فثبت أن هذا الكلام يذكره الصالحون عند اشتداد الأمر عليهم. الثالث : لعلها قالت ذلك لئلا يقع في المعصية من يتكلم فيها وإلا فهي راضية بما بشرت به، وقرأ حفص وحمزة نسياً بفتح النون والباقون بالكسر وقوله تعالى :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٦٠
وقيل : حملت وهي بنت ثلاث عشرة سنة، وقيل : بنت عشرين وقد كانت حاضت حيضتين قبل أن تحمل، قال الرازي : وليس في القرآن ما يدل على شيء من هذه الأقوال المذكورة. ثم عقب بالحمل قوله :﴿فانتبذت به﴾ أي : فاعتزلت به وهو في بطنها حالة ﴿مكاناً قصياً﴾ أي : بعيداً من أهلها أو من المكان الشرقي، وأشار إلى قرب الولادة من الحمل بفاء التعقيب في قوله :
﴿فأجاءها﴾ أي : فأتى بها وألجأها ﴿المخاض﴾ وهو تحرك الولد في بطنها للولادة ﴿إلى جذع النخلة﴾ وهو ما برز منها من الأرض ولم يبلغ الأغصان وكأنّ تعريفها لأنه لم يكن في تلك البلاد الباردة غيرها فكانت كالعلم لما فيها من العجب لأن النخل من أقل الأشجار صبراً على البرد ولعلها ألجئت إليها دون غيرها من الأشجار على كثرتها لمناسبة حال النخلة لها لأنها لا تحمل إلا باللقاح من ذكر النخل فحملها بمجرّد هزها أنسب شيء بإتيانها بولد من غير والد فكيف إذا كان ذلك في غير وقته، وكانت يابسة مع مالها فيها من المنافع بالاستناد إليها والاعتماد عليها وكون رطبها خرسة للنفساء وغاية في نفعها وغير ذلك والخرسة بخاء معجمة مضمومة طعام النفساء وهو مراد الجوهري بقوله : طعام الولادة.
قال ابن عباس : الحمل والولادة في ساعة واحدة، وقيل : ثلاث ساعات حملته في ساعة وصور في ساعة ووضعته في ساعة حين زالت الشمس من يومها، وقيل : كانت مدته تسعة أشهر كحمل سائر النساء، وقيل : كانت مدة حملها ثمانية أشهر وذلك آية أخرى له لأنه لا يعيش من ولد لثمانية أشهر وولد عيسى لهذه المدّة وعاش، وقيل : ولد لستة أشهر. ولما كان ذلك أمراً صعباً
٤٦٣
عليها جداً كان كأنه قيل : يا ليت شعري ما كان حالها ؟
فقيل :﴿قالت﴾ لما حصل عندها من خوف العار ﴿يا ليتني مت﴾ وأشارت إلى استغراق الزمان بالموت بمعنى عدم الوجود فقالت من غير جارّ ﴿قبل هذا﴾ أي : الأمر العظيم، وقرأ نافع وحفص وحمزة والكسائي مت بكسر الميم والباقون بالضم ﴿وكنت نسياً﴾ أي : شيئاً من شأنه أن يطرح وينسى ﴿منسياً﴾ أي : متروكاً بالفعل لا يخطر على بالٍ.
فإن قيل : لم قالت ذلك مع أنها كانت تعلم أن الله تعالى بعث جبريل عليه السلام إليها ووعدها بأن يجعلها وولدها آية للعالمين ؟


الصفحة التالية
Icon