﴿فهل﴾ أي : ما ﴿ينتظرون﴾ أي : أهل مكة بتكذيبك ﴿إلا﴾ أياماً، أي : وقائع ﴿مثل أيام﴾ أي : وقائع ﴿الذين خلوا من قبلهم﴾ أي : من مكذبي الأمم كالقبط وقوم نوح وما انطوى بينهما من الأمم، أي : مثل وقائعهم من العذاب ﴿قل﴾ أي : قل لهم يا محمد ﴿فانتظروا﴾ أي : العذاب ﴿إني معكم من المنتظرين﴾ أي : لنزول العذاب بكم. وقوله تعالى :
﴿ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا﴾ عطف على محذوف، دل عليه قوله تعالى :﴿إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم﴾ كأنه قيل : لنهلك الأمم ثم ننجي رسلنا ومن آمن بهم على حكاية الأحوال الماضية. وقرأ أبو عمرو وحده بسكون السين ﴿كذلك﴾ أي : كما نجينا رسلنا والذين آمنوا معهم من الهلاك ﴿حقاً علينا ننج المؤمنين﴾ أي : ننجيك يا محمد ومن آمن معك وصدّقك من الهلاك والعذاب. فإن قيل : قوله تعالى حقاً يقتضي الوجوب والله تعالى لا يجب عليه شيء. أجيب : بأنَّ ذلك حق بحسب الوعد والحكم لا أنه حق بحسب الاستحقاق. لما ثبت أنّ العبد لا يستحق على خالقه شيئاً وهو اعتراض بين المشبه والمشبه به ونصب بفعله المقدّر، وقيل بدل من ذلك. وقرأ حفص والكسائي بسكون النون الثانية والباقون بفتحها. وأمّا الوقف عليها فجميع القراء يقفون على الجيم ؛ لأنها مرسومة في المصحف بالجيم بلا ياء، فهي في القرآن وقفاً ووصلاً بلا ياء لجميع القراء. ولما ذكر تعالى الدلائل على أقصى الغايات وأبلغ النهايات أمر رسوله ﷺ بإظهار دينه فقال :
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٣
قل﴾
يا محمد ﴿يا أيها الناس﴾ أي : الذين أرسلت إليهم فشكوا في أمرك ولم يؤمنوا بك ﴿إن كنتم في شك من ديني﴾ أي : الذي أدعوكم إليه أنه حق وأصررتم على ذلك وعبدتم الأصنام التي لا تضرّ ولا تنفع ﴿فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله﴾ أي : غيره وهو الأصنام التي لا قدرة لها على شيء ﴿ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم﴾ بقبض أرواحكم التي لا شيء عندكم يعدلها، فإنه الذي يستحق العبادة، وإنما خص الله تعالى هذه الصفة للتهديد. وقيل : إنهم لما استعجلوا بطلب العذاب أجابهم بقوله : ولكن أعبد الله الذي هو قادر على إهلاككم ونصري عليكم. ﴿وأمرت أن﴾ أي : بأن ﴿أكون من المؤمنين﴾ أي : المصدّقين بما جاء من عند الله. وقيل : إنه لما ذكر العبادة وهي من أعمال الجوارح أتبعها بذكر الإيمان لأنه من أعمال القلوب. فإن قيل : كيف قال في شك وهم كفار يعتقدون بطلان ما جاء به ؟
أجيب : بأنه كان فيهم شاكون أو أنهم لما رأوا الآيات اضطربوا وشكوا في أمره ﷺ وقوله تعالى :
﴿وأن أقم وجهك للدين﴾ عطف على أن أكون، غير أن صلة أن محكية بصيغة الأمر ولا فرق بينهما في الغرض ؛ لأنّ المقصود وصلها بما تضمن معنى المصدر ليدل معه عليه، وصيغ الأفعال كلها كذلك سواء الخبر منها والطلب، والمعنى : وأمرت بالاستقامة في الدين
٤٥
والاستعداد فيه بأداء الفرائض والانتهاء عن القبائح، أو في الصلاة باستقبال القبلة وقوله :﴿حنيفاً﴾ حال من فاعل أقم أو من الدين أو من الوجه، ومعناه : مائلاً مع الدين غير معوج عنه إلى دين آخر وقوله تعالى :﴿ولا تكونن من المشركين﴾ أي : ممن يشرك بالله في عبادته غيره فتهلك، خطاباً للنبيّ ﷺ والمراد أمّته، أي : ولا تكونن أيها الإنسان وكذا قوله تعالى :
﴿ولا تدع﴾ أي : تعبد ﴿من دون الله﴾ أي : غيره ﴿ما لا ينفعك﴾ أي : إن عبدته ﴿ولا يضرّك﴾ إن لم تعبده ﴿فإن فعلت﴾ ذلك ﴿فإنك إذاً من الظالمين﴾ لنفسك ؛ لأنك وضعت العبادة في غير موضعها، والظلم : وضع الشيء في غير محله، فإذا كان ما سوى الحق معزولاً عن التصرّف كان إضافة التصرّف إلى ما سوى الحق وضعاً للشيء في غير موضعه فيكون ظلماً.
ولما ذكر الله تعالى الأوثان وبيّن أنها لا تقدر على ضرّ ولا نفع بيّن تعالى أنه هو القادر على كل شيء وأنه ذو الجود والكرم والرحمة بقوله تعالى :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٣


الصفحة التالية
Icon