وقال السدي : أراد بهم اليهود ومن لحق بهم وقال قتادة : في ﴿أضاعوا الصلاة﴾ تركوا الصلاة المفروضة، وقال ابن مسعود وإبراهيم : أخروها عن وقتها، وقال سعيد بن المسيب : هو أن لا يصلي الظهر حتى يأتي العصر ولا يصلي العصر حتى تغرب الشمس. ﴿واتبعوا الشهوات﴾ أي : المعاصي قال ابن عباس : هم اليهود تركوا الصلاة المفروضة وشربوا الخمور واستحلوا نكاح الأخت من الأب، وقال مجاهد : هؤلاء قوم يظهرون في آخر الزمان ينزو بعضهم على بعض في الأسواق والأزقة ﴿فسوف يلقون غياً﴾ وهو كما قال وهب وابن عباس : واد في جهنم بعيد قعره تستعيذ منه أوديتها كما رواه الحاكم وصححه، وقيل : هو الخسران وقيل هو الشر كقول القائل :
*فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره
** ومن يغو لا يعدم على الغيّ لائما
على الغيّ متعلق بلائماً وقيل : يلقون جزاء الغي كقوله يلق أثاماً أي : مجازاة الآثام
تنبيه : قوله تعالى : يلقون ليس معناه يرون فقط بل معناه الاجتماع والملابسة مع الرؤية. ولما أخبر تعالى عن هؤلاء بالخيبة فتح لهم باب التوبة وحداهم إلى غسل هذه الحوبة بقوله :
﴿إلا من تاب﴾ أي : مما هو عليه من الضلال وبادر بالأعمال وحافظ على الصلوات وكف نفسه عن الشهوات ﴿وآمن﴾ بما أخذ عليه به العهد ﴿وعمل﴾ بعد إيمانه تصديقاً له ﴿صالحاً﴾ من
٤٨٠
الصلوات والزكوات وغيرها ﴿فأولئك﴾ العالو الهمم الطاهرو الشيم ﴿يدخلون الجنة﴾ التي وعد المتقون ﴿ولا يظلمون﴾ من ظالم ما ﴿شيئاً﴾ من أعمالهم. فإن قيل : الاستثناء دل على أنه لا بدّ من التوبة والإيمان والعمل الصالح وليس الأمر كذلك لأنّ من تاب عن كفره ولم يدخل وقت الصلاة أو كانت المرأة حائضاً فإنه لا يجب عليهم الصلاة والزكاة أيضاً غير واجبة وكذلك الصوم فهذا لو مات في ذلك الوقت كان من أهل النجاة مع أنه لم يصدر منه عمل فلم يجز توقف الأجر على العمل الصالح ؟
أجيب بأنّ هذه الصورة نادرة والأحكام إنما تناط بالأعمّ الأغلب
تنبيه : في هذا الاستثناء وجهان قال ابن عادل أظهرهما : أنه متصل وقال الزجاج : هو منقطع وهذا بناءً منه على أنّ المضيع للصلاة من الكفار ووافق الزجاج الجلال المحلي. ولما ذكر تعالى في التائب أنه يدخل الجنة وصفها بأمور أحدها قوله تعالى :
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٧٧
جنات عدن﴾ أي : إقامة لا يظعن عنها بوجه من الوجوه وصفها بالدوام على خلاف وصف الجنان في الدنيا التي لا تدوم ثم بيّن تعالى أنها ﴿التي وعد الرحمن عباده﴾ الذين هو أرحم بهم وقوله ﴿بالغيب﴾ فيه وجهان ؛ أحدهما : أنّ الباء حالية وفي صاحب الحال احتمالان ؛ أحدهما : ضمير الجنة وهو عائد الموصول أي : وعدها وهي غائبة عنهم لا يشاهدونها، والثاني : عباده أي : وهم غائبون عنها لا يرونها إنما آمنوا بها بمجرّد الأخبار منه. والوجه الثاني : أنّ الباء سببية أي : بسبب تصديق الغيب وسبب الإيمان به ولما كان من شأن الوعود الغائبة على ما يتعارفه الناس بينهم احتمال عدم الوقوع بيّن أنّ وعده ليس كذلك بقوله تعالى :﴿إنه كان﴾ أي : كوناً هو سنة ماضية ﴿وعده مأتياً﴾ أي : مقصوداً بالفعل فلا بدّ من وقوعه فهو كقوله إن كان وعد ربنا لمفعولا ثانيها قوله تعالى :﴿لا يسمعون فيها لغواً﴾ وهو فضول الكلام وما لا طائل تحته وفيه تنبيه ظاهر على تجنب اللغو واتقائه حيث نزه الله تعالى عنه الدار الآخرة التي لا تكليف فيها، وقد مدح الله تعالى أقواماً بقوله :﴿وإذا مرّوا باللغو مرّوا كراماً﴾ (الفرقان، ٧٢)
﴿وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين﴾ (القصص، ٥٥)
نعوذ بالله من اللغو والجهل والخوض فيما لا يعنينا وقوله تعالى :﴿إلا سلاما﴾ استثناء منقطع أي : ولكن يسمعون قولاً يسلمون فيه من العيب والنقيصة أو سلاماً من الله أو من الملائكة أو من بعضهم على بعض ويجوز أن يراد باللغو مطلق الكلام قال في القاموس لغا لغواً تكلم، فيكون الاستثناء متصلاً أي : لا يسمعون فيها كلاماً إلا كلاماً يدل على السلامة أو سلاماً من الله أو من الملائكة أو من بعضهم على بعض.