﴿تنزيلاً﴾ بدل من اللفظ بفعله الناصب له ﴿ممن خلق الأرض﴾ أي : من الله الذي خلق الأرض ﴿والسموات العلى﴾ أي : العالية الرفيعة التي لا يقدر على خلقها في عظمها غير الله تعالى والعلي جمع علياً كقولهم كبرى وكبر وصغرى وصغر وقدّم الأرض على السموات لأنها أقرب إلى الجنس وأظهر عنده من السموات ثم أشار إلى وجه إحداث الكائنات وتدبير أمرها بأن قصد العرش وأجرى منه الأحكام والتقادير وأنزل منه الأسباب على ترتيب ومقادير حسبما اقتضته حكمته وتعلقت به مشيئته فقال تعالى :
﴿الرحمن على العرش﴾ وهو سرير الملك ﴿استوى﴾
٤٩٦
أي : استواء يليق به فإنه سبحانه وتعالى كان ولا عرش ولا مكان وإذا خلق الله الخلق لا يحتاج إلى مكان فهو بالصفة التي كان لم يزل عليها وتقدّم الكلام على ذلك في سورة الأعراف مستوفي فراجعه، ثم استدل سبحانه وتعالى على كمال قدرته بقوله تعالى :
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٩٥
له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى﴾ فهو مالك لما في السموات من ملك ونجم وغيرهما ومالك لما في الأرض من المعادن والفلوات ومالك لما بينهما من الهواء ومالك لما تحت الثرى وهو التراب الندي والمراد الأرضون السبع لأنها تحته وقال ابن عباس : إنّ الأرضين على ظهر النون والنون على بحر ورأسه وذنبه يلتقيان تحت العرش والبحر على صخرة خضراء خضرة السماء منها وهي الصخرة التي ذكر الله تعالى في قصة لقمان ﴿فتكن في صخرة﴾ (لقمان، ١٦)
والصخرة على قرن ثور والثور على الثرى وما تحت الثرى لا يعلمه إلا الله عز وجل وذلك الثور فاتح فاه فإذا جعل الله تعالى البحار بحراً واحداً سالت في جوف ذلك الثور فإذا وقعت في جوفه يبست.
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي بالإمالة وورش بين اللفظين وكذا جميع رؤوس أي السورة من ذوات الراء. ولما كانت القدرة تابعة للإرادة وهي لا تنفك عن العلم عقب ذلك بإحاطة علمه تعالى بجليات الأمور وخفياتها على حدّ سواء فقال تعالى :
﴿وإن تجهر بالقول﴾ أي : تعلن بالقول في ذكر أو دعاء فالله تعالى غنيّ عن الجهر به ﴿فإنه يعلم السر وأخفى﴾ قال الحسن : في السر ما أسرّ الرجل إلى غيره وأخفى من ذلك ما أسرّ في نفسه، وعن ابن عباس السر ما تسر في نفسك وأخفى من السر ما يلقيه الله تعالى في قلبك من بعد ولا تعلم أنك ستحدث به نفسك لأنك تعلم ما تسر اليوم ولا تعلم ما تسر غداً والله يعلم ما أسررت اليوم وما تسر غداً، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس السر ما أسر ابن آدم في نفسه وأخفى ما خفى عليه مما هو فاعله قبل أن يعلمه، وقال مجاهد السر العمل الذي يسر من الناس وأخفى الوسوسة، وقيل : السرّ هو العزيمة وأخفى ما يخطر على القلب ولم يعزم عليه، وقال زيد بن أسلم : يعلم أسرار العباد وأخفى سره من عباده فلا يعلمه. أحد ولما ذكر صفاته وحّد نفسه فقال تعالى :
﴿الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى﴾ التسعة والتسعون الوارد بها الحديث والحسنى تأنيث الأحسن وفضل أسماء الله تعالى على سائر الأسماء في الحسن لدلالتها على معان هي أشرف المعاني وأفضلها.
روي أنّ لله تعالى أربعة آلاف اسم ألف لا يعلمها إلا هو وألف لا يعلمها إلا الله والملائكة وألف لا يعلمها إلا الله والملائكة والأنبياء وأما الألف الرابعة فالمؤمنون يعلمونها فثلاثمائة في التوراة وثلاثمائة في الإنجيل وثلاثمائة في الزبور ومائة في القرآن تسعة وتسعون منها ظاهرة وواحد مكنون من أحصاها دخل الجنة وذكر في لا إله إلا الله فضائل كثيرة أذكر بعضها وأسأل الله تعالى أن يجعلنا ومحبينا من أهلها.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٩٥
روي أنه ﷺ قال :"أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء أستغفر الله ثم تلا رسول الله ﷺ فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات".
وروى أنه ﷺ قال :"إنّ الله تعالى خلق ملكاً من الملائكة قبل أن يخلق السموات والأرض
٤٩٧
وهو يقول أشهد أن لا إله إلا الله ماداً بها صوته لا يقطعها ولا يتنفس فيها ولا يتمها فإذا أتمها أمر إسرافيل بالنفخ في الصور وقامت القيامة تعظيماً لله".
وعن أنس قال ﷺ "مازلت أشفع إلى ربي ويشفعني وأشفع إليه ويشفعني حتى قلت يا رب شفعني فيمن قال لا إله إلا الله فقال يا محمد ليست لك ولا لأحد وعزتي وجلالي لا أدع أحداً في النار قال لا إله إلا الله".
وقال سفيان الثوري : سألت جعفر بن محمد عن حم عسق فقال الحاء حلمه والميم ملكه والعين عظمته والسين سناؤه والقاف قدرته يقول الله عز وجل بحلمي وملكي وعظمتي وسنائي وقدرتي لا أعذب بالنار من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله.