أحدها : أنّ النعل في النوم يعبر بالزوجة وقوله فاخلع نعليك إشارة إلى أنه لا يلتفت بخاطره إلى الزوجة والولد وأن لا يبقى مشغول القلب بأمرهما.
ثانيها : المراد بخلع النعلين ترك الالتفات إلى الدنيا والآخرة كأنه أمره أن يصير مستغرق القلب بالكلية في معرفة الله تعالى فلا يلتفت إلى المخلوقات.
ثالثها : أن الإنسان حال الاستدلال على وجود الصانع لا يمكنه أن يتوصل إليه إلا بمقدمتين مثل أن يقول العالم المحسوس محدث وكل ما كان كذلك فله مؤثر ومدبر وصانع فهاتان المقدمتان شبيهتان بالنعلين لأنّ بهما يتوصل العقل إلى المقصود وينتقل من النظر في الخلق إلى معرفة الخالق ثم بعد الوصول إلى معرفة الخالق وجب أن لا يبقى ملتفتاً إلى تلك المقدمتين، فكأنه قيل : لا تكن مشتغل الخاطر بتلك المقدّمتين فإنك وصلت إلى الوادي المقدس الذي هو بحر معرفة الله تعالى : وقوله تعالى :﴿طوى﴾ بدل أو عطف بيان وقرأه هنا وفي النازعات نافع وابن كثير وأبو عمرو بغير تنوين فهو ممنوع من الصرف باعتبار البقعة مع العلمية وقيل : لأنه معدول عن طاو فهو مثل عمر للعدل عن عامر وقيل : إنه اسم أعجمي ففيه العلمية والعجمة والباقون بالتنوين فهو مصروف باعتبار المكان ففيه العلمية فقط وعند هؤلاء ليس بأعجميّ وقوله تعالى :
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٩٩
وأنا اخترتك﴾
أي : اصطفيتك للرسالة من قومك قرأ حمزة بتشديد النون من أنا وقرأ اخترناك بنون بعدها ألف بلفظ الجمع والباقون بتاء مضمومة وقوله تعالى :﴿فاستمع لما يوحى﴾ أي : إليك مني فيه نهاية الهيبة والجلالة كأنه تعالى قال : لقد جاءك أمر عظيم فتأهب له واجعل كل عقلك وخاطرك مصروفاً إليه وفي قوله تعالى وأنا اخترتك نهاية اللطف والرحمة فيحصل له من الأوّل نهاية الرجاء ومن الثاني نهاية الخوف.
تنبيه : يجوز في لام لما أن تتعلق فاستمع وهو أولى وأن تكون مزيدة في المفعول على حد قوله تعالى :﴿ردف لكم﴾ (النحل، ٧٢)
وجوّز الزمخشريّ أن يكون ذلك من باب التنازع ونازعه أبو حيان بأنه لو كان كذلك لأعاد الضمير مع الثاني فكان يقول فاستمع له لما يوحى، وأجيب عنه بأنّ مراده التعلق المعنوي من حيث الصلاحية وأما تقدير الصناعة فلم يعنه.
وقوله تعالى :
﴿إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني﴾ بدل مما يوحى دال على أنه مقصور على تقرير التوحيد الذي هو منتهى العلم والأمر بالعبادة التي هي كمال العمل وفي هذه الآية دلالة على أنّ علم أصول الدين مقدّم على علم الفروع، وأيضاً فالفاء في قوله تعالى فاعبدني تدل على أنّ عبادته إنما لزمت لآلهيته لأن التوحيد من علم الأصول والعبادة من علم الفروع وخص الصلاة
٥٠١
بالذكر وأفردها في قوله تعالى ﴿وأقم الصلاة لذكرى﴾ للعلة التي أناط بها إقامتها وهو تذكير المعبود وشغل القلب واللسان بذكره.
وقيل : لذكرى لأني ذكرتها في الكتب وأمرت بها وقيل : لأوقات ذكري وهي مواقيت الصلاة أو لذكر صلاتي لما روى مسلم أنه ﷺ قال :"من نام عن صلاة أو نسيها فليقضها إذا ذكرها إنّ الله يقول وأقم الصلاة لذكري" وقيل : لأنّ أذكرك بالثناء والمدح واجعل لك عليها لسان صدق علياً وقيل : لذكري خاصة لا تشوبه بذكر غيري.
ولما خاطب تعالى موسى عليه السلام بقوله تعالى :﴿فاعبدني وأقم الصلاة لذكري﴾ أتبعه بقوله تعالى :
﴿إنّ الساعة آتية﴾ أي : كائنة ﴿أكاد أخفيها﴾ قال أكثر المفسرين معناه أكاد أخفيها من نفسي فكيف يعلمها غيري من الخلق وكيف أظهرها لكم ذكر تعالى على عادة العرب إذا بالغوا في كتمان الشيء يقول الرجل كتمت سري من نفسي أي : أخفيته غاية الإخفاء والله تعالى لا يخفى عليه شيء والمعنى في إخفائها التهويل والتخويف لأنهم إذا لم يعلموا متى تقوم الساعة كانوا على حذر منها كل وقت وكذلك المعنى في إخفاء وقت الموت لأنّ الله تعالى وعد قبول التوبة فإذا عرف وقت موته وانقضاء أجله اشتغل بالمعاصي إلى أن يقرب ذلك الوقت فيتوب ويصلح العمل فيتخلص من عقاب المعاصي بتعريف وقت موته فتعريف وقت الموت كالإغراء بفعل المعصية فإذا لم يعلم وقت موته لا يزال على قدم الخوف والوجل فيترك المعاصي أو يتوب منها في كل وقت خوف معاجلة الأجل. وقال أبو مسلم : أكاد بمعنى أريد وهو كقوله تعالى :﴿كذلك كدنا ليوسف﴾ (يوسف، ٧٦)
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٤٩٩
ومن أمثالهم المتداولة لا أفعل ذلك ولا أكاد أي : لا أريد أن أفعله وقال الحسن : إن أكاد من الله واجب فمعنى قوله تعالى : أكاد أخفيها أي : أنا أخفيها عن الخلق كقوله تعالى :﴿عسى أن يكون قريباً﴾ (الإسراء، ٥١)
أي : هو قريب وقيل : أكاد صلة في الكلام والمعنى أنّ الساعة آتية أخفيها. قال زيد الخيل :
*سريع إلى الهيجاء شاك سلاحه
** فما أن يكاد قرنه يتنفس
أي فما أن يتنفس قرنه وقوله تعالى :﴿لتجزى كل نفس بما تسعى﴾ أي : تعمل من خير أو شرّ متعلق بآتية، واختلف في المخاطب بقوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon