﴿ولقد استهزئ برسل من قبلك﴾ أي : كثيرين فلك بهم أسوة، وقرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة في الوصل بكسر الدال والباقون بالضم وإذا وقف حمزة أبدل الهمزة ياء ساكنة ﴿فحاق﴾ أي : نزل ﴿بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون﴾ وهو العذاب فكذا يحيق بمن استهزأ بك، ولما أعلم الله تعالى أن الكفار في الآخرة لا يكفون عن وجهوهم النار ولا عن ظهورهم بسائر ما وصفهم به. أتبعه بأنهم في الدنيا أيضاً لولا أنّ الله تعالى يحرسهم ويحفظهم لما بقوا في السلامة، فقال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٥٥٧
قل﴾ يا أشرف المرسلين
٥٥٩
للمستهزئين ﴿من يكلؤكم﴾ أي : يحفظكم ﴿بالليل والنهار من الرحمن﴾ أي : من عذابه إن نزل بكم أي : لا أحد يفعل ذلك ﴿بل هم عن ذكر ربهم﴾ أي : القرآن ﴿معرضون﴾ لا يتفكرون فيه ولا يخطرونه ببالهم فضلاً أن يخافوا بأسه.
﴿أم﴾ فيها معنى الهمزة للإنكار أي : الله ﴿لهم آلهة﴾ ﴿موصوفة بأنها تمنعهم﴾ مما يسوءهم ﴿من دوننا﴾ ليس لهم ذلك ثم وصف آلهتهم بالضعف فقال تعالى :﴿لا يستطيعون﴾ أي : الآلهة ﴿نصر أنفسهم﴾ فكيف ينصرون عابديهم ﴿ولا هم﴾ أي : الكفار ﴿منّا﴾ أي : من عذابنا ﴿يصحبون﴾ أي : يجارون يقال : صحبك الله أي : حفظك وأجارك.
﴿بل متعنا هؤلاء﴾ أي : الكفار على حقارتهم ﴿وآباءهم﴾ من قبلهم بالنعم استدراجاً ﴿حتى طال عليهم العمر﴾ أي : امتدّت بهم أيام الدنيا بالروح والطمأنينة فحسبوا أن لا يزالوا على ذلك لا يغلبون ولا ينزع عنهم ثوب أمنتهم واستمتاعهم فاغتروا بذلك وذلك طمع فارغ وأمل كاذب، وغلظ ورش اللام بخلاف عنه ﴿أفلا يرون﴾ أي : يعلمون علماً هو في وضوحه مثل الرؤية بالبصر ﴿أنّا نأت الأرض﴾ أي : أرض الكفرة ﴿ننقصها من أطرافها﴾ بتسليط المسلمين عليها وإظهارهم على أهلها بقتل بعض ورّد بعض عن دينه إلى الإسلام فهم في نقص وأولياؤنا في زيادة ﴿أفهم الغالبون﴾ أي : مع مشاهدتهم لذلك أم أولياؤنا. ولما كرّر سبحانه وتعالى في القرآن الأدلة وبالغ في التنبيه عليها على ما تقدم أتبعه بقوله تعالى :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٥٥٧
﴿قل﴾ يا أشرف الخلق لهؤلاء المشركين ﴿إنما أنذركم﴾ أي : أخوّفكم ﴿بالوحي﴾ أي :
٥٦٠
بالقرآن الذي هو كلام ربكم فلا تظنوا أنه من قبل نفسي ﴿ولا يسمع الصم الدعاء﴾ أي : ممن يدعوهم ﴿إذا ما ينذرون﴾ أي : يخوّفون فهم لترك العمل بما سمعوه كالصم فإن قيل : الصم لا يسمعون دعاء البشر كما لا يسمعون دعاء المنذر، فكيف قيل : إذا ما ينذزون ؟
أجيب : بأنه وضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على تصامّهم وسدّهم أسماعهم إذا أنذروا، أي : هم على هذه الصفة من الجراءة والجسارة وعلى التصامّ عن آيات الإنذار، وقرأ ابن عامر ولا تسمع بالتاء الفوقية مضمومة وكسر الميم ونصب ميم الصم على الخطاب النبوي والباقون بالياء التحتية وفتح الميم ورفع ميم الصم وفي الدعاء، وإذا همزتان مختلفتان من كلمتين ؛ الأولى مفتوحة، والثانية مكسورة قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بتحقيق الأولى وتسهيل الثانية بين الهمزة والياء والباقون بتحقيق الهمزتين، وهذا في حال الوصل، فإن وقف على الهمزة الأولى فالجميع يبتدئون الثانية بالتحقيق، ويقف حمزة وهشام بإبدال الهمزة ألفاً مع المدّ والتوسط والقصر.
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٥٦٠
ولئن مستهم﴾ أي : أصابتهم ﴿نفحة﴾ أي : دفعة خفيفة وفي ذلك مبالغات ذكر المس و ما في النفحة من معنى القلة فإنّ أصل النفح هبوب رائحة الشيء والتاء الدالة على المرّة ﴿من عذاب ربك﴾ المحسن إليك بنصرك عليهم من الذي ينذرون به ﴿ليقولنّ﴾ وقد أذهلهم أمرها ﴿يا ويلنا﴾ الذي لا نرى بحضرتنا الآن غيره ﴿إنّا كنّا ظالمين﴾ دعوا على أنفسهم بالويل بعد ما أقرّوا بالظلم، ثم ذكر تعالى بعض ما يفعل في حساب الساعة من العدل، فقال عاطفاً على قوله تعالى :﴿بل تأتيهم بغتة﴾ :