فركض برجله، فانفجرت له عين ماء فدخل فيها فاغتسل، فأذهب الله تعالى كل ما كان به من البلاء بظاهره، ثم مشى أربعين خطوة، فأمره أن يضرب برجله الأرض مرّة أخرى، ففعل، فنبع عين ماء بارد، فأمره فشرب منها فذهب كل داء كان بباطنه، فصار كأصح ما يكون من الرجال وأجملهم، فأقبلت امرأته تلتمسه في مضجعه، فلم تجده، فقامت كالوالهة، ثم جاءت إليه وهي لا تعرفه، فقالت : يا عبد الله هل لك علم بالرجل المبتلى الذي كان ههنا ؟
قال : نعم وما لي لا أعرفه، فتبسم وقال : أنا هو، فعرفته بضحكه، فاعتنقته قال ابن عباس : فوالذي نفس عبد الله بيده ما فارقته من عناقه حتى ردّ لهما كل ما كان لهما كما قال تعالى :﴿وآتيناه أهله﴾ أي : أولاده الذكور والإناث بأن أحيوا له وكل من الصنفين ثلاث أو سبع ﴿ومثلهم معهم﴾ أي : من زوجته رحمة، وزيد في شبابها هذا ما دل عليه أكثر المفسرين، وقيل : آتاه الله تعالى المثل من نسل ماله وولده الذي رده إليه، أي : فولد له من ولده نوافل، وقال : وهب كان له سبع بنات، وثلاثة بنين، وروى الضحاك عن ابن عباس رد إلى امرأته شبابها، فولدت له ستة وعشرين ذكراً، وقال قوم : آتى الله تعالى أيوب في الدنيا مثل أهله الذين هلكوا، فأمّا الذين هلكوا فإنهم لم يردّوا عليه في الدنيا، وقال عكرمة : قيل لأيوب : إنّ أهلك لك في الآخرة، وإن شئت عجلناهم لك في الدنيا، وإن شئت كانوا لك في الآخرة، وآتيناك مثلهم في الدنيا، فعلى هذا يكون معنى الآية : وآتيناه أهله في الآخرة ومثلهم معهم في الدنيا، فقال : يكونون لي في الآخرة، وأوتي مثلهم في الدنيا، وروي عن أنس يرفعه "كان لأيوب أندران ؛ أندر للقمح، وأندر للشعير، فبعث الله تعالى سحابتين، فأفرغت إحداهما على أندر القمح الذهب، وأفرغت الأخرى على أندر الشعير الورق حتى فاض" وروي أن الله تعالى بعث إليه ملكاً فقال : إن ربك يقرئك السلام بصبرك فاخرج إلى
٥٧٩
أندرك فخرج إليه فأرسل عليه جراداً من ذهب قيل : إنه لما اغتسل وخرج الدود منه جعل الله تعالى لها أجنحة، فطارت فجعلها الله تعالى جراداً من ذهب، وأمطرت عليه، فطارت واحدة فاتبعها وردّها إلى أندره، فقال له الملك : أما يكفيك ما في أندرك، فقال : هذا بركة من بركات ربي، ولا أشبع من بركته، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ "بينما أيوب يغتسل عرياناً خرَّ عليه جراد من ذهب، فجعل أيوب يحثي في ثوبه فناداه ربه : يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى قال : بلى يا رب، ولكن لا غنى لي عن بركتك"، وقوله تعالى :﴿رحمة﴾ مفعول له : أي : نعمة عظيمةوفخمها بقوله تعالى :﴿من عندنا﴾ بحيث لا يشك من ينظر ذلك أنا ما فعلناه إلا رحمة منا له، وإنّ غيرنا لا يقدر على ذلك ﴿وذكرى﴾ أي : عظمة عظيمة ﴿للعابدين﴾ أي : كلهم ليتأسوا به، فيصبروا إذا ابتلوا ولا يظنوا أنّ ذلك إنما نزل بهم لهوانهم، ويشكروا فيثابوا كما أثيب، وقيل : لرحمتنا العابدين فإنا نذكرهم بالإحسان ولا ننساهم.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٥٧٩
القصة السابعة : قصة إسماعيل وإدريس وذي الكفل المذكورة في قوله تعالى :
﴿وإسماعيل﴾ أي : واذكر إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام الذي سخرنا له من الماء بواسطة الروح الأمين ما عاش به صغيراً بعدما كان هالكاً لا محالة، ثم جعلناه طعام طعم وشفاء سقم دائماً وصناه وهو كبير من الذبح حين رأى أبوه في المنام أنه يذبحه ورؤيا الأنبياء وحي، ﴿وفديناه بذبح عظيم﴾ (الصافات، ١٠٧)
﴿و﴾ اذكر ﴿إدريس﴾ أي : ابن شيث بن آدم عليهم السلام الذي أحييناه بعد موته ورفعناه مكاناً عليا وهو أوّل نبيّ بعث من بني آدم عليهم السلام وتقدّمت قصته في سورة مريم ﴿و﴾ اذكر ﴿ذا الكفل﴾ سمي بذلك قال عطاء : لأن نبياً من أنبياء بني إسرائيل أوحى الله تعالى إليه أني أريد أن أقبض روحك، فاعرض ملكك على بني إسرائيل، فمن تكفل لك أن يصلي بالليل لا يفتر ويصوم بالنهار لا يفطر، ويقضي بين الناس ولا يغضب فادفع ملكك إليه، ففعل ذلك، فقام شاب فقال : أنا أتكفل لك بهذا، فتكفل ووفى به، فشكر الله له، ونبأه فسمي ذا الكفل، وقال مجاهد لما كبر إليسع قال : لو أني استخلفت رجلاً من الناس يعمل عليهم في حياتي حتى أنظر كيف يعمل قال : فجمع الناس، فقال : من يقبل مني ثلاثاً أستخلفه يصوم النهار ويقوم الليل ولا يغضب، فقام رجل فقال : أنا، فاستخلفه، فأتاه إبليس في صورة شيخ ضعيف حين أخذ مضجعه للقائلة، وكان لا ينام بالليل والنهار إلا تلك النومة، فدق الباب فقال : من هذا ؟
فقال : شيخ كبير مظلوم، فقام ففتح الباب فقال : إنّ بيني وبين قومي خصومة، وإنهم ظلموني، وفعلوا ما فعلوا، وجعل يطوّل حتى ذهبت القائلة، فقال : إذا رحت فأتني فإني آخذ حقك، فانطلق وراح فكان في مجلسه ينظر هل يرى الشيخ، فلم يره فقام يتبعه فلم يجده، فلما كان الغد جعل يقضي بين الناس وينظره، فلم يره.


الصفحة التالية
Icon