برجلين بخلاف فعل الزنا ؛ لأن الفعل يغمض الاطلاع عليه، وإذا شهد على فعل الزنا يجب أن يذكر الزاني ومن زنا بها ؛ لأنه قد يراه على جارية لأبيه فيظنه زناً يوجب الحد، وأن يقول في شهادته : رأيت ذكره يدخل في فرجها، وإن لم يقل دخول الميل في المكحلة لكن قوله ذلك أولى، فلو شهدوا مطلقاً أنه زنا لم يقبلوا لأنهم ربما يرون المفاخذة زناً، ويشترط أيضاً أن يفسر في إقراره كالشهود ويصح رجوعه عن الإقرار، ولو في أثناء الحدّ كما مرَّ، ولا فرق في قبول الشهادة بين أن يجيء الشهود متفرقين أو مجتمعين كما قاله الشافعي، وقال أبو حنيفة : إذا شهدوا متفرقين لا يثبت وعليهم حدّ القذف، ولو شهد على الزنا أقل من أربعة أو أربعة وفيهم الزوج لم يثبت الزنا وعليهم الحدّ ؛ لأن شهادة الزوج لا تقبل في حق زوجته ؛ قال ابن الرفعة في الكفاية : لأمرين أحدهما : أن الزنا تعرض لمحل حق الزوج، فإنّ الزاني يستمتع بالمنافع المستحقة له فشهادته في حقها تتضمن إثبات جناية الغير على ما هو مستحق له، فلم تسمع كما إذا شهد أنه جنى على عبده، والثاني : أنّ من شهد بزنا زوجته فنفس شهادته دال على إظهار العداوة ؛ لأن زناها يوغر صدره بتلطيخ فراشه وإدخال الغير عليه وعلى ولده، وهو أبلغ من مؤلم الضرب وفاحش السب، ولو قذف رجل وجاء بأربعة فساق شهدوا على المقذوف بالزنا لم يحدّوا ؛ لأن شرائط الشهادة بالزنا قد وجدت عند القاضي إلا أنه لم تقبل شهادتهم لأجل التهمة فكما اعتبرنا التهمة في نفي الحدّ عن المشهود عليه، فكذلك أوجبنا اعتبارها في نفي الحدّ عنهم، ولما كان لفظ المحصنات عاماً للزوجات، وكان لهن حكم غير ما تقدم وهو الحكم الرابع أفردهن بقوله :
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٦٤
والذين يرمون﴾
أي : بالزنا ﴿أزواجهم﴾ أي : من المؤمنات والكافرات الحرائر والإماء ﴿ولم يكن لهم شهداء﴾ يشهدون على صحة ما قالوه ﴿إلا أنفسهم﴾ أي : غير أنفسهم وهذا ربما يفهم أنه إذا كان الزوج أحد الأربعة كفى وهذا المفهوم معطل لكونه حكاية حال واقعة لا شهود فيها، وقوله تعالى في الآية قبلها :﴿ثم لم يأتوا بأربعة شهداء﴾ فإنه يقتضي كون الشهداء غير الرامي بالزنا، ولعله استثناه من الشهداء ؛ لأن لعانه يكون بلفظ الشهادة، ومذهب الشافعي أنه لا يقبل في ذلك كما قدّمناه ﴿فشهادة أحدهم﴾ أي : فالواجب شهادة أحدهم على من رماها أو فعليهم شهادة أحدهم ﴿أربع شهادات﴾ من خمس في مقابلة أربعة شهداء ﴿بالله﴾ أي : مقرونة بهذا الاسم الكريم الأعظم الموجب لاستحضار جميع صفات الجلال والجمال ﴿إنه لمن الصادقين﴾ أي : فيما قذفها به، وقرأ حفص وحمزة والكسائي برفع العين على أنه خبر شهادة والباقون بنصبها على المصدر ﴿والخامسة أن لعنت الله﴾ أي : الملك الأعظم ﴿عليه﴾ أي : القاذف نفسه ﴿إن كان من الكاذبين﴾ فيما رماها به، وقرأ نافع بتخفيف أن ساكنة ورفع لعنة، والباقون بتشديد النون منصوبة ونصب لعنة ورسمت لعنة بتاء مجرورة، ووقف عليها بالهاء ابن كثير وأبو عمرو والكسائي، ووقف الباقون بالتاء، وإذا وقف الكسائي أمال الهاء هذا لعان الرجل وحكمه سقوط حدّ القذف عليه وحصول الفرقة بنفسه فرقة فسخ عندنا لقوله ﷺ "المتلاعنان لا يجتمعان أبداً" وبتفريق الحاكم فرقة طلاق عند أبي حنيفة ونفي الولد إن تعرض له فيه وثبوت حدّ الزنا على المرأة بقوله
٦٦٦
تعالى :﴿ويدرأ﴾ أي : يدفع ﴿عنها﴾ أي : المقذوفة ﴿العذاب﴾ أي : المعهود وهو الحدّ الذي أوجبه عليها كما تقدّم ﴿أن تشهد أربع شهادات﴾ من خمس ﴿بالله﴾ الذي له جميع الأسماء الحسنى والصفات العليا كما تقدم في الزوج ﴿إنه لمن الكاذبين﴾ فيما قاله عليها ﴿والخامسة﴾ من الشهادات ﴿أن غضب الله﴾ الذي له الأمر كله ﴿عليها إن كان من الصادقين﴾ أي : فيما رماها به.


الصفحة التالية
Icon