وفي هذا القدر كفاية لأولي الألباب، فإن هذه القصة عبرة لمن اعتبر فإن أهل الإفك استمروا في هذا أكثر من شهر والله تعالى عالم بما يقولون، وإن قولهم يكاد يقطع الأكباد في أحب خلقه إليه وهو قادر على تكذيبهم عند أول ما خاضوا فيه ولكنه سبحانه أراد لناس رفع الدرجات ولآخرين الهلكات ولا بأس ببيان غريب هذه الألفاظ التي وقعت في هذه القصة من كلام عائشة وغيرها قولها : إذن أي : أعلم بالرحيل، وقولها فقدت عقداً لي من جزع أظفار : هو نوع من الخرز وهو الحجر اليماني المعروف، وقولها : لم يهبلن أي : لم يكثر لحمهنّ من السمن فيثقلن، وقولها إنما يأكلن العلقة من الطعام وهو بضم العين أي : البلغة من الطعام وهي قدر ما يمسك الرمق وقولها : ليس بها منهم داعٍ ولا مجيب أي : ليس بها أحد لا من يدعو ولا من يرد جواباً، وقولها : فيممت أي : قصدت، وقولها : قد عرس من وراء الجيش، فأدلج التعريس نزول المسافر بالليل للراحة والإدلاج بالتشديد سيراً آخر الليل وبالتخفيف سير الليل كله، وقولها : باسترجاعه هو قول القائل : إنا لله وإنا إليه راجعون. قولها : خمرت أي : غطيت وجهي بجلبابي أي : إزاري، وقولها : موغرين في نحو الظهيرة الوغر : شدّة الحر وكذلك نحر الظهيرة أي : أولها، وقولها : والناس يفيضون أي : يخوضون ويتحدثون، وقولها : وهو يريبني يقال : رابني الشيء يريبني أي : تشككت فيه، وقولها : ولا أرى من النبي اللطف أي : الرفق بها، واللطف في الأفعال الرفق، وفي الأقوال لين الكلام، وقولها : حين نقهت أي : أفقت من المرض والمناصع المواضع الخالية تقضى فيها الحاجة من غائط وبول، و أصله المكان الواسع الخالي والمرط كساء من صوف أو خز، قولها فقالت : تعس مسطح أي : خسر، وقولها : يا هنتاه أي : يا بلهاء كأنها نسبتها إلى البله وقلة المعرفة، وقولها : لا يرقأ أي : لا ينقطع، وقول بريرة : إن رأيت بمعنى النفي أي : ما رأيت منها أمراً أغمصه عليها بالصاد المهملة أي : أعيبه، والداجن الشاة التي تألف البيت وتقيم به، وقوله ﷺ من يعذرني أي : إن أنا أكافئه على سوء صنيعه إن عاتبت أو عاقبت، فلا تلوموني على ذلك، وقولها : ولكن حملته الحمية أي : حمله الغضب والأنفة والتعصب على الجهل للقرابة، وقولها : فتثاور الحيان أي : ثاروا ونهضوا للقتال والمخاصمة، وقولها : فلم يزل يخفضهم أي : يهوّن عليهم ويسكت، وقوله ﷺ إن كنت ألممت قيل : هو من اللمم وهو صغار الذنوب، قيل : معناه مقارفة الذنب من غير فعل، وقولها : قلص دمعي أي : انقطع جريانه، قوله : ما رام أي : ما برح من مكانه والبرحاء الشدّة، والجمانة الدرة وجمعه جمان، وقولها : فسرّي عنه أي : كشف عنه، وقول زينب : أحمي سمعي وبصري أي : أمنعهما عن أن أخبر بما لم أسمع ولم أبصر وقولها : وهي التي كانت تساميني من السموّ وهو العلوّ والغلبة، فعصمها الله تعالى أي : منعها الله من الوقوع في الشر بالورع، وقول الرجل : ما كشفت كنف أنثى أي : ستر أنثى، وقول حسان في عائشة : حصان بفتح الحاء امرأة حصان أي : متعففة رزان أي : ثابتة ما تزن أي : ترمي ولا تتهم بريبة أي : أمر يريب الناس وتصبح غرثى أي : خائفة الموت، والغرث : الجوع من لحوم الغوافل جمع غافلة والمعنى أنها لا تغتاب أحداً ممن هو غافل، وقرأ لا تحسبوه وتحسبونه ابن عامر وعاصم وحمزة بفتح السين والباقون بكسرها.
٦٧٢
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٦٨
ولما أخبر سبحانه وتعالى بعقاب أهل الإفك، وكان في المؤمنين من سمعه وسكت، وفيهم من سمعه فتحدّث به متعجباً من قائله أو متثبتاً في أمره وفيهم من أكذبه أتبعه سبحانه وتعالى بعتابهم في أسلوب خطابهم مثنياً على من كذبه، فقال سبحانه وتعالى مستأنفاً محرضاً :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٦٨
﴿لولا﴾ أي : هلا ولم لا ﴿إذ﴾ أي : حين ﴿سمعتموه﴾ أيها المدعون للإيمان ﴿ظن المؤمنون﴾ أي : منكم ﴿والمؤمنات﴾ وكان الأصل ظننتم أي : أيها العصبة ولكنه التفت إلى الغيبة تنبيهاً على التوبيخ، وصرح بالنساء ونبه على الوصف المقتضي لحسن الظن تخويفاً للذي ظن السوء من سوء الخاتمة ﴿بأنفسهم﴾ حقيقة ﴿خيراً﴾ وهم دون من كذب عليها فقطعوا ببراءتها لأن الإنسان لا يظن في الناس إلا ما هو متصف به أو بإخوانهم لأن المؤمنين كالجسد الواحد وذلك نحو ما يروى أن أبا أيوب الأنصاري قال لأم أيوب : ألا ترين ما يقال ؟
فقالت : لو كنت بدل صفوان كنت تظن بحرمة رسول الله ﷺ سوءاً قال : لا، قالت : ولو كنت أنا بدل عائشة ما خنت رسول الله ﷺ فعائشة خير مني وصفوان خير منك ﴿وقالوا هذا إفك مبين﴾ أي : كذب بيّن.