فإن قيل : ما معنى التعجب في كلمة التسبيح ؟
أجيب : بأن الأصل في ذلك أن يسبح الله تعالى عند رؤية التعجب من صنائعه ثم كثر حتى استعمل في كل متعجب، وقيل : تنزيه، فهو منزه عن أن يرضى بظلم هؤلاء القذفة، وعن أن لا يعاقبهم وعن أن تكون حرمة نبيه ﷺ فاجرة، قال البيضاوي : فإن فجورها ينفر عنه ويخل بمقصود الزواج بخلاف كفرها فإنه لا ينفر أي : ولهذا كانت امرأة نوح ولوط كافرتين، وهذا يقتضي حل نكاح الكتابية مع أنها لا تحل له ﷺ لأنها تكره صحبته ؛ ولأنه أشرف من أن يضع ماءه في رحم كافرة بنكاح ولقوله تعالى :﴿وأزواجه أمهاتهم﴾ (الأحزاب، ٦)
ولا يجوز أن تكون الكافرة أم المؤمنين، ولخبر "سألت ربي أن لا أزوج إلا من كانت
٦٧٤
معي في الجنة فأعطاني" رواه الحاكم وصحح إسناده.
أما التسري بالكافرة فلا يحرم ؛ لأنه ﷺ تسرى بريحانة وكانت يهودية من بني قريظة ولا يشكل تعليلهم السابق من أنه أشرف أن يضع ماءه في رحم كافرة ؛ لأن القصد بالنكاح أصالة التوالد فاحتيط له، وبأنه يلزم منه أن تكون الزوجة المشركة أم المؤمنين بخلاف الملك فيهما ﴿هذا بهتان﴾ أي : كذب يبهت من يواجه به ويحيره لشدّة ما يفعل في القوى الباطنة ؛ لأنه في غاية الغفلة عنه لكونه أبعد الناس منه، ثم هونه بقوله ﴿عظيم﴾ لعظمة المبهوت عليه، فإن حقارة الذنوب وعظمها باعتبار متعلقاتها، ولما كان هذا كله وعظاً لهم واستصلاحاً ترجمه بقوله :
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٧٣
يعظكم الله﴾ أي : يرقق قلوبكم الذي له الكمال كله، فيمهل بحلمه ولا يهمل بحكمته ﴿أن﴾ أي : كراهة أن ﴿تعودوا لمثله أبداً﴾ أي : ما دمتم أحياء مكلفين، ثم عظم هذا الوعظ بقوله تعالى :﴿إن كنتم مؤمنين﴾ أي : متصفين بالإيمان راسخين فيه، فإنكم لا تعودون، فإن الإيمان يمنع عنه، وهذا تهييج وتقريع لا أنه يخرج عن الإيمان كما تقول المعتزلة.
فإن قيل : هل يجوز أن يسمى الله واعظاً كقوله تعالى :﴿يعظكم الله﴾ ؟
أجيب : بأنه لا يجوز كما قاله الرازي، قال : كما لا يجوز أن يسمى الله معلماً كقوله تعالى :﴿الرحمن علم القرآن﴾ (الرحمن، ١)
؛ لأن أسماء الله تعالى توقيفية.
﴿ويبين الله﴾ أي : بما له من صفات الكمال والإكرام ﴿لكم الآيات﴾ أي : الدالة على الشرائع ومحاسن الآداب كي تتعظوا وتتأدبوا ﴿والله﴾ أي : المحيط بجميع الكمال ﴿عليم﴾ أي : بما يأمر به وينهى عنه ﴿حكيم﴾ لا يضع شيئاً إلا في أحكم مواضعه وإن دق عليكم فهم ذلك فلا تتوقفوا في أمر من أوامره، ولماكان من أعظم الوعظ بيان ما يستحق على الذنب من العقاب بينه بقوله تعالى :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٧٣
٦٧٥
﴿إن الذين يحبون﴾ أي : يريدون وعبر بالحب إشارة إلى أنه لا يرتكب هذا مع شناعته إلا محب له، ولا يحبه إلا بعيد عن الاستقامة ﴿أن تشيع﴾ أي : تنتشر بالقول أو الفعل ﴿الفاحشة﴾ الفعلة الكبيرة القبح ﴿في الذين آمنوا﴾ أي : بنسبتها إليهم وهم العصبة، وقيل : المنافقون ﴿لهم عذاب أليم في الدنيا﴾ أي : بالحدّ للقذف ﴿والآخرة﴾ أي : بالنار لحق الله تعالى إن لم يتب ﴿والله﴾ أي : المستجمع لصفات الجلال والجمال ﴿يعلم﴾ أي : له العلم التام فهو يعلم مقادير الأشياء ما ظهر منها وما بطن وما الحكمة في إظهاره أو ستره أو غير ذلك من جميع الأمور ﴿وأنتم لا تعلمون﴾ أي : ليس لكم علم من أنفسكم فاعملوا بما علمكم فلا تتجاوزوه ولا تضلوا، وقيل : معناه يعلم ما في قلب من يحب أن تشيع الفاحشة فيجازيه عليها وأنتم لا تعلمون ذلك، وقيل : والله يعلم انتفاء الفاحشة عنهم وأنتم أيها العصبة لا تعلمون وجودها فيهم، وقوله تعالى :
﴿
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٧٥
ولولا فضل الله عليكم ورحمته﴾ أي : بكم تكرير للمنة بترك المعاجلة بالعقاب للدلالة على عظم الجريمة، ولذا عطف عليه ﴿وأن الله﴾ أي : الذي له القدرة التامة، فسبقت رحمته غضبه ﴿رؤوف رحيم﴾ على حصول فضله ورحمته، وجواب لولا محذوف كأنه قال : لعذبكم واستأصلكم لكنه رؤوف رحيم ؛ قال ابن عباس : الخطاب لحسان ومسطح وحمنة قال الرازي : ويجوز أن يكون الخطاب عاماً، وقيل : الجواب في قوله تعالى :﴿ما زكى منكم من أحد﴾، وقرأ : رؤوف ؛ نافع وابن كثير وابن عامر وحفص بمدّ الهمزة والباقون بقصرها.