وشروط التوبة أن يقلع الشخص عن الذنب ويندم على ما مضى منه ويعزم على ألا يعود إليه ويرد الحقوق لأهلها، وقرأ ابن عامر في الوصل : أيها المؤمنون بضم الهاء لأنها كانت مفتوحة لوقوعها قبل الألف فلما سقطت الألف لالتقاء الساكنين أتبعت حركتها حركة ما قبلها والباقون بفتحها، وأما الوقف فوقف أبو عمرو والكسائي بالألف بعد الهاء، ووقف الباقون على الهاء ساكنة ﴿لعلكم تفلحون﴾ أي : تنجون من ذلك بقبول التوبة منه، وفي الآية تغليب الذكور على الإناث، وعن ابن عباس توبوا مما كنتم تفعلونه في الجاهلية لعلكم تسعدون في الدنيا والآخرة.
فإن قيل : على هذا قد صحت التوبة بالإسلام لأنه يجب ما قبله فما معنى هذه التوبة ؟
أجيب : بأن بعض العلماء قال : إن من أذنب ذنباً ثم تاب لزمه كلما ذكره أن يجدد التوبة لأنه يلزمه أن يستمر على ندمه وعزمه على عدم العودة إلى أن يلقى الله تعالى، والذي عليه الأكثر أنه لا يلزمه تجديدها.
وعن أبي بردة أنه سمع الأغر يحدث ابن عمر أنه سمع رسول الله ﷺ يقول :"يا أيها الناس توبوا إلى ربكم فإني أتوب إلى ربي كل يوم مائة مرة"، وعن ابن عمر قال : إنا كنا لنعدّ لرسول الله ﷺ في المجلس يقول :"رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور مائة مرة"، وعن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال :"من تاب قبل طلوع الشمس من مغربها تاب الله عليه"، وعن أنس بن مالك قال : قال رسول الله ﷺ "للّه أفرح بتوبة عبده من أحدكم يسقط على بعيره، وقد أضله في أرض فلاة".
ولما نهى عما سيفضي إلى السفاح المخل بالنسب المقتضي للألفة وحسن التربية ومزيد الشفقة المؤدية إلى بقاء النوع بعد الزجر عنه مبالغة فيه عقبه بالحكم الثامن وهو الأمر بالنكاح المذكور في قوله تعالى :
٦٨٥
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٨٢
﴿وأنكحوا الأيامى منكم﴾ جمع أيم والأيامى واليتامى أصلهما أيايم ويتايم فقلبا، والأيم هي من ليس لها زوج بكراً كانت أو ثيباً، ومن ليس له امرأة فيشمل ذلك الذكر والأنثى قال الشاعر :
*فإن تنكحي أنكح وإن تتأيمي
** وإن كنت أفتى منكم أتأيم
أي : أقرب إلى الشباب منك وأتأيم بالرفع على قلة جواب إن تتأيمي، وما بينهما جملة معترضة، والمعنى أوافقك في حالتي التزوج والتأيم، وإن كنت أقرب إلى الشباب منك، وعنه ﷺ "اللهم إنا نعوذ بك من العيمة والغيمة، والأيمة والقزم والقرم العيمة : شهوة اللبن، والغيمة : العطش، والأيمة : شهوة النكاح مع الخلو من الزوجية، والقزم : البخل، والقرم : شهوة اللحم، وهذا في الأحرار والحرائر، وأما غيرهم فهو قوله تعالى :﴿والصالحين﴾ أي : المؤمنين﴿من عبادكم﴾ وهو من جموع عبد، ﴿وإمائكم﴾ والخطاب للأولياء والسادة، وهذا الأمر أمر ندب، فيستحب لمن تاقت نفسه للنكاح ووجد أهبته أن يتزوج ومن لم يجد أهبته استحب له أن يكسر شهوته بالصوم لما ورد أنه ﷺ قال :"يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" أي : قاطع لشهوته لأن الوجاء بكسر الواو نوع من الخصاء وهو أن ترض عروق الأنثيين وتترك الخصيتان كما هما، فشبه الصوم في قطعه شهوة النكاح بالوجاء الذي يقطع النسل، والباءة بالمد مؤن النكاح، وهي المهر وكسوة فصل التمكين ونفقة يومه.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٦٨٦
فإن لم تنكسر شهوته بالصوم فلا يكسرها بالكافور ونحوه بل يتزوج، ويكره لغير التائق إن فقد الأهبة أو وجدها وكان به علة كهرم فإن وجدها ولا علة به وهو غير تائق فالتخلي للعبادة أفضل من النكاح إن كان متعبداً فإن لم يتعبد فالنكاح أفضل من تركه لقوله ﷺ "من أحب فطرتي فليستن بسنتي" وهي النكاح، وعنه ﷺ "من كان له مال يتزوج به فلم يتزوج فليس منا"، وعنه ﷺ "إذا تزوج أحدكم عج شيطانه يا ويلاه عصم ابن آدم مني ثلثي دينه" والأحاديث في ذلك كثيرة، وربما كان واجب الترك إذا أدى إلى معصية أو مفسدة، وعنه ﷺ "إذا أتى على أمتي مائة وثمانون
٦٨٦


الصفحة التالية
Icon